Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 34-37)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان في ذلك من أقوال عيسى وأحواله - المنادية بالحاجة للتنقل في أطوار غيره من البشر والكرامة من الله - أعظم البيان عن بعده عما ادعى فيه النصارى من الإلهية واليهود من أنه لغير رشده ، نبه على ذلك مشيراً إليه بأداة البعد فقال مبتدئاً : { ذلك } أي الولد العظيم الشأن ، العلي الرتبة ، الذي هذه أحواله وأقواله البعيدة عن صفة الإله وصفة من ارتاب في أمره ؛ ثم بين اسم الإشارة أو أخبر فقال : { عيسى ابن مريم } أي وحدها ليس لغيرها فيه بنوة أصلاً ، وهي من أولاد آدم ، فهو كذلك ؛ ثم عظم هذا البيان تعظيماً آخر فقال : { قول } أي هو - أي نسبته إلى مريم فقط - قول { الحق } أي الذي يطابقه الواقع ، أو يكون القول عيسى نفسه كما أطلق عليه في غير هذا الموضع " كلمة " من تسمية المسبب باسم السبب وهو على هذه القراءة خبر بعد خبر أو بدل أو خبر مبتدأ محذوف ، وعلى قراءة عاصم وابن عامر بالنصب ، هو اغراء ، أي الزموا ذلك وهو نسبته إلى مريم عليهما السلام وحدها ثم عجب من ضلالهم فيه بقوله : { الذي فيه يمترون * } أي يشكون شكاً يتكلفونه ويجادلونه به مع أن أمره في غاية الوضوح ، ليس موضعاً للشك أصلاً ؛ ثم دل على كونه حقاً في كونه ابن مريم لا غيرها بقوله رداً على من ضل : { ما كان } أي ما صح ولا تأتي ولا تصور في العقول ولا يصح ولا يتأتى لأنه من المحال لكونه يلزم منه الحاجة { لله } الغني عن كل شيء { إن يتخذ } ولما كان المقام يقتضي النفي العام ، أكده بـ " من " فقال : { من ولد } . ولما كان اتخاذ الولد من النقائص ، أشار إلى ذلك بالتنزيه العام بقوله : { سبحانه } أي تنزه عن كل نقص من احتياج إلى ولد أو غيره ثم علل ذلك بقوله : { إذا قضى أمراً } أي أمر كان { فإنما يقول له كن } أي يريده ويعلق قدرته به { فيكون * } من غير حاجة إلى شيء أصلاً ، فكيف ينسب إلى الاحتياج إلى الإحبال والإيلاد والتربية شيئاً فشيئاً كما أشار إليه الاتخاذ . ولما كان لسان الحال ناطقاً عن عيسى عليه الصلاة والسلام بأن يقول : وقد قضاني الله فكنت كما أراد ، فأنا عبد الله ورسوله فاعتقدوا ذلك ولا تعتقدوا سواه من الأباطيل ، عطف عليه في قراءة الحرميين وأبي عمرو قوله : { وإن الله } أي الذي له الأمر كله { ربي وربكم } أي أحسن إلى كل منا بالخلق والرزق ، لا فرق بيننا في أصل ذلك { فاعبدوه } وحده لتفرده بالإحسان كما أعبده ، وقراءة الباقين بالكسر على أنه مقول عيسى عليه السلام الماضي ، ويكون اعتراض ما تقدم من كلام الله بينهما للتأكيد والاهتمام . ولما كان اشتراك الخلائق في عبادة الخالق بعمل القلب والجوارح علماً وعملاً أعدل الأشياء ، أشار إلى ذلك بقوله : { هذا } أي الذي أمرتكم به { صراط مستقيم * } لأنا بذلنا الحق لأهله بالاعتقاد الحق والعمل الصالح ، ولم يتفضل أحد منا فيه على صاحبه . ولما كان المنهج القويم بحيث يكون سبباً للاجتماع عند كل صحيح المزاج ، عجب منهم في استثمار غير ذلك منه فقال : { فاختلف } أي فتسبب عن هذا السبب للاجتماع أنه اختلف { الأحزاب } الكثيرون . ولما كان الاختلاف لم يعم جميع المسائل التي في شرعهم قال : { من بينهم } أي بني إسرائيل المخاطبين بذلك خاصة لم تكن فيهم فرقة من غيرهم في هذه المقالة القويمة التي لا تنبغي لمن له أدنى مسكة أن يتوقف في قبولها ، فمنهم من أعلم أنها الحق فاتبعها ولم يحد عن صوابها ، ومنهم من أبعد في الضلال عنها بشبه لا شيء أو هي منها ؛ روي عن قتادة أنه اجتمع من أحبار بني إسرائيل أربعة : يعقوب ونسطور وملكا وإسرائيل ، فقال يعقوب : عيسى هو الله نزل إلى الأرض فكذبه الثلاثة واتبعه اليعقوبية ، وقال نسطور : عيسى ابن الله فكذبه الاثنان واتبعه النسطورية ، وقال ملكاً : عيسى أحد ثلاثة : الله إله ، ومريم إله ، وعيسى إله ، فكذبه الرابع واتبعه طائفة ، وقال إسرائيل : عيسى عبد الله كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، فاتبعه فريق من بني إسرائيل ، ثم اقتتل الأربعة فغلب المؤمنون وقتلوا وظهرت اليعقوبية على الجميع - ذكر معناه أبو حيان وابن كثير ورواه عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة { فويل } أي فتسبب عن اختلافهم أنا نقول : ويل { للذين كفروا } منهم ومن غيرهم { من مشهد يوم عظيم * } في جمعه لجميع الخلائق ، وما فيه من الأهوال والقوارع .