Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 26-33)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان من المعلوم أنها هزت فتساقط الرطب ، سبب عنه قوله : { فكلي } أي فتسبب عن الإنعام عليك بالماء والرطب أن يقال لك تمكيناً من كل منهما كلي من الرطب { واشربي } من ماء السرى { وقري } أي استقري { عيناً } بالنوم ، فإن المهموم لا ينام ، والعين لا تستقر ما دامت يقظى ، وعن الأصمعي أن المعنى : ولتبرد دمعتك ، لأن دمعة الفرح باردة ودمعة الحزن حارة ، واشتقاق " قري " من القرور ، وهو الماء البارد - انتهى . وقال الإمام أبو عبد الله القزاز في ديوانه : وحكى الفراء أن قريشاً ومن حولهم يقولون : قررت به عيناً - أي بكسر العين - أقر ، وأن أسداً وقيساً وتميماً يقولون : قررت به عيناً - أي بالفتح - أقر ، قال - يعني الفراء : فمن قال : قررت - أي بالكسر - قراً ، وقرى عيناً - أي بالفتح ، وهي القراءة المعروفة ، ومن قال : قررت ، - أي بالفتح قراً وقري عيناً - بكسر القاف أي وهي الشاذة ، قال - أي القزاز : هي لغة كل من لقيت من أهل نجد ، والمصدر قرة وقرور . وسيأتي في القصص ما ينفع هنا ، وهو على كل حال كناية عن طيب النفس وتأهلها لأن تنام بالكفاية في الدنيا بطعام البدن وغذاء الروح بكونه آية باهرة ، والآخرة بالكرامة وذلك على أنفع الوجوه ، قيل : ما للنفساء خير من الرطب ولا للمريض خير من العسل ؛ ثم سبب عن ذلك قوله مؤكداً إيذاناً بأن أكثر رؤيتها في تلك الأوقات الملائكة عليهم السلام { فإما ترين } أي يا مريم { من البشر أحداً } لا تشكين أنه من البشر ينكر عليك { فقولي } لذلك المنكر جواباً له مع التأكيد تنبيهاً على البراءة لأن البريء يكون ساكناً لاطمئنانه والمرتاب يكثر كلامه وحلفه : { إني نذرت للرحمن } أي الذي عمت رحمته فأدخلني فيها على ضعفي وخصني بما رأيت من الخوارق { صوماً } أي صمتاً ينجي من كل وصمة وإمساكاً عن الكلام { فلن } أي فتسبب عن النذر أني لن { أكلم اليوم إنسياً * } فإن كلامي يقبل الرد والمجادلة ولكن يتكلم عني المولود الذي كلامه لا يقبل الدفع ، وأما أنا فأنزه نفسي عن مجادلة السفهاء فلا أكلم إلا الملائكة أو الخالق بالتسبيح والتقديس وسائر أنواع الذكر ، قالوا : ومن أذل الناس سفيهاً لم يجد مسافهاً ، ومن الدلالة عليه بالصمت عن كلام الناس مع ما تقدم الإشارة إلى أنه ردع مجرد { فأتت } أي فلما سمعت هذا الكلام اشتد قلبها ، وزال حزنها ، وأتت { به } أي بعيسى { قومها } وإن كان فيهم قوة المحاولة لكل ما يريدونه إتيان البريء الموقن بأن الله معه { تحمله } غير مبالية بأحد ولا مستخفية فكأنه قيل : فما قالوا لها ؟ فقيل : { قالوا يا مريم } ما هذا ؟ مؤكدين لأن حالها في إتيانها يقتضي إنكار كلامهم { لقد جئت } بما نراه { شيئاً فرياً * } قطيعاً منكراً { ياأخت هارون } في زهده وورعه وعفته وهو صالح كان في زمانها أو أخو موسى عليه السلام { ما كان أبوك } أي عمران ساعة من الدهر { امرأ سوء } لنقول : نزعك عرق منه { وما كانت أمك } في وقت من الأوقات { بغياً * } أي ذات بغي أي عمد لتتأسى بها { فأشارت } امتثالاً لما أمرت به { إليه } أي عيسى ليكلموه فيجيب عنها { قالوا كيف نكلم } يا مريم { من كان في المهد } أي قبيل إشارتك { صبياً * } لم يبلغ سن هذا الكلام ، الذي لا يقوله إلا الأكابر العقلاء بل الأنبياء والتعبير بـ " كان " يدل على أنه حين الإشارة إليه لم يحوجهم إلى أن يكلموه ، بل حين سمع المحاورة وتمت الإشارة بدا منه قوله خارق لعادة الرضعاء والصبيان ، ويمكن أن تكون تامة مشيرة إلى تمكنه في حال ما دون سن الكلام ، ونصب { صبياً } على الحال ، فلما كانت هذه العبارة مؤذنة بذلك استأنف قوله : { قال } أي واصفاً نفسه بما ينافي أوصاف الأخابث ، مؤكداً لإنكارهم أمره فقال : { إني عبد الله } أي الملك الأعظم الذي له صفات الكمال لا أتعبد لغيره ، إشارة إلى الاعتقاد الصحيح فيه ، وأنه لا يستعبده شيطان ولا هوى { ءاتاني الكتاب } أي التوراة والإنجيل والزبور وغيرها من الصحف على صغر سني { وجعلني } أي في علمه { نبياً * } ينبىء بما يريد في الوقت الذي يريد ، وقيل في ذلك : فانبئكم به { وجعلني مباركاً } بأنواع البركات { أين ما } في أي مكان { كنت } فيه . ولما سبق علمه سبحانه أنه يدعي في عيسى الإلهية أمره أن يقول : { وأوصاني بالصلاة } له طهرة للنفس { والزكاة } طهرة للمال فعلاً في نفسي وأمراً لغيري { ما دمت حياً } ليكون ذلك حجة على من أطراه لأنه لا شبهة في أن من يصلي لإله ليس بإله { وبراً } أي وجعلني براً ، أي واسع الخلق طاهره . ولما كان السياق لبراءتها فبين الحق في وصفه ، صرح ببراءتها فقال : { بوالدتي } أي التي أكرمها الله بإحصان الفرج والحمل بي من غير ذكر ، فلا والد لي غيرها { ولم يجعلني جباراً شقياً * } بأن أفعل فعل الجبارين بغير استحقاق ، إنما أفعل ذلك بمن يستحق ، وفيه إيماء إلى أن التجبر المذموم فعل أولاد الزنا ، وذلك أنه يستشعر ما عنده من النقص فيريد أن يجبره بتجبره ، ثم أخبر بما له من الله من الكرامة الدائمة مشيراً إلى أنه لا يضره عدو ، وإلى أنه عبد لا يصلح أن يكون إلهاً وإلى البعث فقال : { والسلام } أي جنسه { عليَّ } فلا يقدر أحد على ضرري { يوم ولدت } فلم يضرني الشيطان ومن يولد لا يكون إلهاً { ويوم أموت } كذلك أموت كامل البدن والدين ، لا يقدر أحد على انتقاصهما مني كائناً من كان { ويوم أبعث حياً * } يوم القيامة كما تقدم في يحيى عليه السلام ، إشارة إلى أنه في البشرية مثله سواء لم يفارقه أصلاً إلا في كونه من غير ذكر ، وإذا كان جنس السلام عليه كان اللعن على أعدائه ، فهو بشارة لمن صدقة فإنه منه ، ونذارة لمن كذبه ، ولم يكن لنبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثل هذه الخارقة لئلا يلتبس حاله بالكهان ، لأن قومه لا عهد لهم بالخوارق إلا عندهم ، وإذا تقرر ذلك في نفوسهم من الصغر صعب زواله ، ولم يكن هناك ما ينفيه حال الصغر ، فعوض عن ذلك إنطاق الرضعاء كمبارك اليمامة وغيره ، وإنطاق الحيوانات العجم ، بل والجمادات كالحجارة وذراع الشاة المسمومة والجذع اليابس وغيرها .