Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 123-127)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كانت دور الملوك لا تحتمل مثل ذلك ، وكان قد قدم سبحانه عنايته بآدم عليه السلام اهتماماً به ، وكان الخبر عن زوجه وعن إبليس لم يذكر ، فكانت نفس السامع لم تسكن عن تشوفها إلى سماع بقية الخبر ، أجاب عن ذلك بأنه أهبط من داره المقدسة الحامل على المخالفة والمحمول وإن كان قد هيأه بالاجتباء لها ، فقال على طريق الاستئناف : { قال } أي الرب الذي انتهكت حرمة داره : { اهبطا منها } أيها الفريقان : آدم وتبعه ، وإبليس { جميعاً } . ولما كان السياق لوقوع النسيان وانحلال العزم بعد أكيد العهد ، حرك العزم وبعث الهم بإيقاع العداوة التي تنشأ عنها المغالبة ، فتبعث الهمم وتثير العزائم ، فقال في جواب من كأنه قال : على أيّ حال يكون الهبوط : { بعضكم لبعض عدو } وهو صادق بعداوة كل من الفريقين للفريق الآخر : فريق إبليس - الذين هم الجن - بالإضلال ، وفريق الإنس بالاحتراز منهم بالتعاويذ والرقى وغير ذلك ، وبعداوة بعض كل فريق لبعضه { فإما } أي فتسبب عن ذلك العلم بأنه لا قدرة لأحد منكم على التحرز من عدوه إلا بي ولا حرز لكم من قبلي إلا اتباع أمري ، فإما { يأتينكم } أي أيها الجماعة الذين هم أضلّ ذوي الشهوات من المكلفين { مني هدى } تحترزون به عن استهواء العدو واستزلاله { فمن اتبع } عبر بصيغة " افتعل " التي فيها تكلف وتتميم للتبع الناشىء عن شدة الاهتمام { هداي } الذي أسعفته به من أوامر الكتاب والرسول المؤيد بدلالة العقل ، وللتعبير بصيغة " افتعل " قال : { فلا يضل } أي بسبب ذلك ، عن طريق السداد في الدنيا ولا في الآخرة أصلاً { ولا يشقى * } أي في شيء من سعيه في واحدة منهما ، فإن الشقاء عقاب الضلال ، ويلزم من نفيه نفي الخوف والحزن بخلاف العكس ، فهو أبلغ مما في البقرة ، فإن المدعو إليه في تلك مطلق العبادة ، والمقام في هذه للخشية والبعث على الجد بالعداوة { إلا تذكرة لمن يخشى } وللإقبال على الذكر { من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً } والتحفظ من المخالفة ولو بالنسيان { فنسي ولم نجد له عزماً } . قال الرازي في اللوامع : والشقاء : فراق العبد من الله ، والسعادة وصوله إليه ؛ وقال الأصبهاني عن ابن عباس رضي الله عنهما : ضمن الله عز وجل لمن اتبع القرآن أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة { ومن أعرض } أي فعل دون فعل الرضيع بتعمد الترك لما ينفعه بالمجاورة { عن ذكري } الذي هو الهدى { فإن له } ضد ذلك { معيشة } حقرها سبحانه بالتأنيث ثم وصفها بأفظع وصف وهو مصدر يستوي فيه المذكر والمؤنث والجمع وغيره فقال : { ضنكاً } أي ذات ضنك أي ضيق ، لكونه على ضلال وإن رأى أن حاله على غير ذلك في السعة والراحة ، فإن ضلاله لا بد أن يرديه ، فهو ضنك لكونه سبباً للضيق وآئلاً إليه ، من تسمية السبب باسم المسبب ، مع أن المعرض عن الله لا يشبع ولا يضل إلى أن يقنع ، مستولٍ عليه الحرص الذي لا يزال أن يطيح ببال من يريد الازدياد من الدنيا ، مسلط عليه الشح الذي يقبض يده عن الانفاق ، عن مناوأة الخصوم ، وتعاقب الهموم ، مع أنه لا يرجو ثواباً ، ولا يأمن عقاباً ، فهو لذلك في أضيق الضيق ، لا يزال همه أكبر من وجده " لو كان لابن آدم واد من ذهب لابتغى إليه ثانياً ، ولو أن له واديين لا بتغى لهما ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب " متفق عليه عن أنس رضي الله عنه ، وهكذا حال من أتبع نفسه هواها ، وأما المقبل على الذكر بكليته فهو قانع راض بما هو فيه ، مستكثر من ذكر الله الشارح للصدور الجالي للقلوب فهو أوسع سعة ، فلا تغتر بالصور وانظر إلى المعاني . ولما ذكر حاله في الدنيا ، أتبعه قوله : { ونحشره يوم القيامة أعمى * } وكان ذلك في بعض أوقات ذلك اليوم ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : إذا خرج من القبر خرج بصيراً ، فإذا سيق إلى المحشر عمي ، أو يكون ذلك - وهو أقرب مفهوم العبارة - في بعض أهل الضلال ليجتمع مع قوله { أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا } [ مريم : 38 ] وحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في الصحيح من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الظلم ظلمات يوم القيامة " ثم استأنف قوله : { قال } مذكراً بالنعمة السابقة استعطافاً لأن من شأن مسلف نعمة أن يربيها وإن قصر المنعم عليه ، وغاية ذلك إنما يكون مهما بقي للصلح موضع : { رب } أي أيها المحسن إليّ المسبغ نعمه عليّ { لم حشرتني } في هذا اليوم { أعمى وقد كنت } أي في الدنيا ، أو في أول هذا اليوم { بصيراً * } فكأنه قيل : بم أجيب ؟ فقيل : { قال } له ربه : { كذلك } أي مثل هذا الفعل الشنيع فعلت في الدنيا ، والمعنى : مثل ما قلت كان ؛ ثم فسر على الأول ، وعلل على الثاني ، فقال : { أتتك آياتنا } على عظمتها التي هي من عظمتنا { فنسيتها } أي فعاملتها بإعراضك عنها معامله المنسي الذي لا يبصره صاحبه ، فقد جعلت نفسك أعمى البصر والبصيرة عنها ، كما قال تعالى : { الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري } [ الكهف : 101 ] { وكذلك } أي ومثل ذلك النسيان الفظيع ، وقدم الظرف ليسد سوقه للمظروف ويعظم اختباره لفهمه فقال : { اليوم تنسى * } أي تترك على ما أنت عليه بالعمى والشقاء بالنار ، فتكون كالشيء الذي لا يبصره أحد ولا يلتفت إليه { وكذلك } أي ومثل ذلك الجزاء الشديد { نجزي من أسرف } في متابعة هواه فتكبر عن متابعة أوامرنا { ولم يؤمن بآيات ربه } فكفر إحسانه إما بالتكذيب وإما بفعله فعل المكذب . ولما ذكر أن هذا الضال كان في الدنيا معذباً بالضنك ، وذكر بعض ما له في الآخرة ، قال مقسماً لما له من التكذيب : { ولعذاب الآخرة } بأيّ نوع كان { أشد } من عذاب الدنيا { وأبقى * } منه ، فإن الدنيا دار زوال ، وموضع قلعة وارتحال .