Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 116-122)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان المقصود من السورة - كما سلف - الإعلام بالحلم والأناة والتلطف بالنائي والقدرة على المعرض ، ذكر فعله آدم عليه السلام هذه في هذه السورة بلفظ المعصية مع التصريح بأنها على وجه النسيان ، وذكر ذلك أولاً مجملاً ثم أتبعه تفصيله ليكون ذلك مذكوراً مرتين ، تأكيداً للمعنى المشار إليه ، تقريراً وتحذيراً من الوقوع في منهيّ ، وإرشاداً لمن " غلب عليه " طبع النقص إلى المباردة إلى الندم وتعاطي أسباب التوبة ليتوب الله عليه ما فعل بآدم عليه السلام فقال : { وإذ } أي اذكر هذا واذكر حين { قلنا } بما لنا من العظمة ، أي اذكر قولنا في ذلك الوقت { للملائكة } أي المجبولين على مضي العزم والتصميم على القصد من غير مانع تردد ولا عائق فتور { اسجدوا لآدم } الذي خلقته بيدي ، فلم نأمرهم بذلك إلا بعد أن اصطفيناه ونحن عالمون بما سيقع منه ، وأنه لا يقدح في رتبة اصطفائه ، فإن الحلم والكرم من صفاتنا ، والرحمة من شأننا ، فلا تيأس من عودنا بالفضل والرحمة على من بالغ في مقاطعتنا من قومك الذين وصفناهم باللدد { فسجدوا } أي الملائكة { إلا إبليس } الذي نسب الله إلى الجور والإخلال بالحكمة فكفر فأيس من الرحمة وسلب الخير فأصر على إضلال الخلق بالتلبيس ، فكأنه قيل : ما كان من حاله في عدم سجوده ؟ فقيل : { أبى * } أي تكبر على آدم فعصى أمر الله { فقلنا } بسبب ذلك بعد أن حلمنا عنه ولم نعاجله بالعقوبة : { يا آدم إن هذا } الشيطان الذي تكبر عليك { عدو لك } دائماً لأن الكبر الناشىء عن الحسد لا يزول { ولزوجك } لأنها منك { فلا يخرجنكما } أي لا تصغيا إليه بوجه فيخرجكما ، ووجه النهي إليه والمراد : هما ، تنبيهاً على أن لها من الجلالة ما ينبغي أن تصان عن أن يتوجه إليها نهي ، وأسند الإخراج إليه لزيادة التحذير والإبلاغ في التنفير ، وزاد في التنبيه بقوله : { من الجنة } أي فإنه لا يقصر في ضركما وإرادة إنزالكما عنها . ولما نص سبحانه على شركتها له في الإخراج فكان من المعلوم شركتها له في آثاره ، وكانت المرأة تابعة للرجل ، فكان هو المخصوص في هذه الدار بالكل في الكد والسعي ، والذب والرعي ، وكان أغلب تعبه في أمر المرأة ، أفرد بالتحذير من التعب لذلك وعدّاً لتعبها بالنسبة إلى تعبه عدماً ، وتعريفاً بأن أمرها بيده ، وهو إن تصلب قادها إلى الخير ، وإلا قادته إلى الضير ، وعبر عن التعب بالشقاء زيادة في التحذير منه فقال : { فتشقى } أي فتتعب ، ولم يرد شقاوة الآخر ، لأنه لو أرادها ما دخل الجنة بعد ذلك ، لأن الكلام المقدر بعد الفاء خبر ، والخبر لا يخلف . ثم علل شقاوته على تقدير الإخراج بوصفها بما لا يوجد في غيرها من الأقطاب التي يدور علها كفاف الإنسان ، وهي الشبع والريّ والكسوة والكن . ذاكراً لها بلفظ النفي لنقائضها ليطرق سمعه بأسماء أصناف الشقوة التي حذره منها ليصير بحيث يتحامى السبب الموقع فيها كراهة لها ، فإذا مضت عليه القدرة الباهرة علم أنه لا يغني حذر من قدر ، فقال : { إن لك } أي علينا { ألا تجوع فيها } أي يوماً ما { ولا تعرى * } فلا يتجرد باطنك ولا ظاهرك { وأنك لا تظمؤا } بالتهاب القلب { فيها ولا تضحى * } أي لا يكون بحيث يصيبك حر الشمس ، والمعنى أنه لا يصيبك حر في الباطن ولا في الظاهر { فوسوس } أي فتعقب تحذيرنا هذا من غير بعد في الزمان أن وسوس { إليه الشيطان } المحترق المطرود ، وهو إبليس ، أي ألقى إليه وجه الخفاء بما مكناه من الجري في هذا النوع مجرى الدم ، وقذف المعاني في قلبه ، وكأنه عبر بـ " إلى " ، لأن المقام لبيان سرعة قبول هذا النوع للنقائص وإن أتته من بعد ، أو لأنه ما أنهى إليه ذلك إلا بواسطة زوجه ، لذلك عدى الفعل عند ذكرهما بالام ، وكأنه قيل : ما دس إليه ؟ فقيل : { قال يا آدم } ثم ساق له الغش مساق العرض ، إبعاداً لنفسه من التهمة والغرض ؛ وشوقه إليه أولاً بقوله : { هل أدلك } فإن النفس شديدة الطلب لعلم ما تجهله ؛ وثانياً بقوله : { على شجرة الخلد } أي التي من أكل منها خلد ، فإن الإنسان أحب شيء في طول البقاء ؛ وثالثاً بقوله : { وملك لا يبلى * } أي لا يخلق أصلاً ، فكأنه قال له بلسان الحال أو القال : نعم ، فقال : شجرة الخلد هذه - مشيراً إلى التي نهي عنها - ما بينك وبين الملك الدائم إلا أن تأكل منها . { فأكلا } أي فتسبب عن قوله وتعقب أن أكل { منها } هو وزوجه ، متبعين لقوله ناسيين ما عهد إليهما { فبدت لهما } لما خرقا من ستر النهي وحرمته { سوءاتهما } وقوعاً لما حذرا منه من إخراجهما مما كانا فيه { وطفقا } أي شرعا { يخصفان } أي يخيطان أو يلصقان { عليهما من ورق الجنة } ليسترا عوراتهما { وعصى آدم } وإن كان إنما فعل المنهي نسياناً ، لأن عظم مقامه وعلو رتبته يقتضيان له مزيد الاعتناء ودوام المراقبة مع ربط الجأش ويقظة الفكر { ربه } أي المحسن إليه بما لم ينله أحداً من بنيه من تصويره له بيده وإسجاد ملائكته له ومعاداة من عاداه { فغوى * } من الغواية وهي الضلال ، ولذلك قالوا : المعنى : فضلّ عن طريق السداد ، فأخطأ طريق التوصل إلى الخلد بمخالفة أمره ، وهو صفيه ، لم ينزله عن رتبة الاصطفاء ، لأن رحمته واسعة ، وحلمه عظيم ، وعفوه شامل ، فلا يهمنك أمر القوم اللد ، فإنا قادرون على أن نقبل بقلوب من شئنا منهم فنجعلهم من أصفى الأصفياء ، ونخرج من أصلاب من شئنا منهم من نجعل قلبه معدن الحكمة والعلم . ولما كان الرضى عنه - مع هذا الفعل الذي أسرع فيه اتباع العدو وعصيان الولي بشيء لا حاجة به إليه - مستبعداً جداً ، أثبت ذلك تعالى مشيراً إليه بأداة التراخي فقال : { ثم اجتباه ربه } أي المحسن إليه { فتاب عليه } أي بسبب الاجتباء بالرجوع إلى ما كان عليه من طريق السداد { وهدى * } بالحفظ في ذلك كما هو الشأن في أهل الولاية والقرب .