Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 16-32)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كانت - لما تقدم - في حكم المنسي عند أغلب الناس قال : { فلا يصدنك عنها } أي إدامة ذكرها ليثمر التشمير في الاستعداد لها { من لا يؤمن بها } بإعراضه عنها وحمله غيره على ذلك بتزيينه بما أوتي من المتاع الموجب للمكاثرة المثمرة لامتلاء القلب بالمباهاة والمفاخرة ، فإن من انصد عن ذلك غير بعيد الحال ممن كذب بها ، والمقصود من العبارة نهي موسى عليه السلام عن التكذيب ، فعبر عنه بنهي من لا يؤمن عن الصد إجلالاً لموسى عليه السلام ، ولأن صد الكافر عن التصديق سبب للتكذيب فذكر السبب ليدل على المسبب ، ولأن صد الكافر مسبب عن رخاوة الرجل في الدين ولين شكيمته فذكر المسبب ليدل على السبب ، فكأنه قيل : كن شديد الشكيمة صليب المعجم ، لئلا يطمع أحد في صدك وإن كان الصاد هم الجم الغفير ، فإن كثرتهم تصل إلى الهوى لا إلى البرهان ، وفي هذا حث عظيم على العمل بالدليل ، وزجر بليغ عن التقليد ، وإنذار بأن الهلاك والردى مع التقليد وأهله نبه عليه الكشاف . ثم بين العلة في التكذيب بها والكسل عن التشمير لها بقوله : { واتبع } أي بغاية جهده { هواه } فكان حاله حال البهائم التي لا عقل لها ، تنفيراً عن مثل حاله ؛ ثم أعظم التحذير بقوله مسبباً : { فتردى * } أي فتهلك ، إشارة إلى أن من ترك المراقبة لحظة حاد عن الدليل ، ومن حاد عن الدليل هلك . ولما كان المقام مرشداً إلى أن يقال : ما جوابك يا موسى عما سمعت ؟ وكان تعالى عالماً بأنه يبادر إلى الجواب بالطاعة في كل ما تقدم ، طوى هذا المقال مومئاً إليه بأن عطف عليه قوله : { وما تلك } أي العالية المقدار { بيمينك يا موسى * } مريداً - بعد تأنيسه بسؤاله عما هو أعلم به منه - إقامة البينة لديه بما يكون دليلاً على الساعة من سرعة القدرة على إيجاد ما لم يكن ، بقلب العصا حية بعد تحقق أنها عصاه يقرب النظر إليها عند السؤال عنها ليزداد بذلك ثباتاً ويثبت من يرسل إليهم { قال هي } أي ظاهراً وباطناً { عصاي } ثم وصل به مستأنساً بلذيذ المخاطبة قوله بياناً لمنافعها خوفاً من الأمر بإلقائها كالنعل : { أتوكأ } أي أعتمد وأرتفق وأتمكن { عليها } أي إذا أعييت أو أعرض لي ما يحوجني إلى ذلك من زلق أو هبوط أو صعود أو طفرة أو ظلام ونحو ذلك ؛ ثم ثنى بعد مصلحة نفسه بأمر رعيته فقال : { وأهشُّ } أي أخبط الورق ، قال ابن كثير : قال عبد الرحمن بن القاسم عن الإمام مالك : والهش أن يضع الرجب المحجن في الغصن ثم يحركه حتى يسقط ورقه وثمره ولا يكسر العود ولا يخبط فهذا الهش ، قال : وكذا قال ميمون بن مهران ، وقال أبو حيان : والأصل في هذه المادة الرخاوة . يقال : رجل هش . { بها على غنمي } . ولما كان أكمل أهل ذلك الزمان ، خاف التطويل على الملك فقطع على نفسه ما هو فيه من لذة المخاطبة كما قيل : اجلس على البساط وإياك والانبساط ، وطمعاً في سماع كلامه سبحانه وتعالى ، فقال مجملاً : { ولي فيها مآرب } أي حوائج ومنافع يفهمها الألبّاء . ولما كان المحدث عنه لايعقل ، وأخبر عنه بحمع كثرة ، كان الأنسب معاملته معاملة الواحدة المؤنثة فقال : { أخرى * } تاركاً للتفصيل ، فكأنه قيل : فماذا قيل له ؟ فقيل : { قال ألقها } أي العصا ، وأنسه بقوله سبحانه وتعالى : { يا موسى * فألقاها } أي فتسبب عن هذا الأمر المطاع أنه ألقاها ولم يتلعثم { فإذا هي } أي في الحال ظاهراً وباطناً { حية } عظيمة جداً يطلق عليها لعظمعا بنهاية أمرها اسم الثعبان ، والحية اسم جنس يقع على الذكر والأنثى والصغير والكبير { تسعى * } سعياً خفيفاً يطلق عليها لأجله في أول أمرها اسم الجان ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنها صارت حية صفراء لها عرف كعرف الفرس ، وجعلت تتورم حتى صارت ثعباناً - انتهى . فهي في عظم الثعبان وسرعة الجان . ولما كان ذلك أمراً مخيفاً ، استشرف السامع إلى ما يكون من حاله عند مثل هذا بعد ذلك ، فاستأنف إخباره بقوله : { قال } أي الله تبارك وتعالى على ما يكون منها عند فرعون لأجل التدريب : { خذها ولا تخف } مشيراً إلى أنه خاف منها على عادة الطبع البشريّ ؛ ثم علل له النهي عن الخوف بقوله { سنعيدها } أي بعظمتنا عند أخذك لها بوعد لا خلف فيه { سيرتها } أي طريقتها { الأولى * } من كونها عصا ، فهذه آية بينة على أن الذي يخاطبك هو ربك الذي له الأسماء الحسنى ، فنزلت عليه السكينة ، وبلغ من طمأنينته أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحيتها ، فإذا هي عصاه ، ويده بين شعبتيها . ولما أراه آية في بعض الآفاق ، أراد أن يريه آية في نفسه فقال : { واضمم يدك } من جيبك الذي يخرج منه عنقك { إلى جناحك } أي جنبك تحت العضد تنضم على ما هي عليه من لونها وما بها من الحريق ، وأخرجها { تخرج } فالآية من باب الاحتباك ، والجناح : اليد ، والعضد ، والأبط ، والجانب - قاله في القاموس ، فلا يعارض هذا ما في القصص لأنه أطلق الجناح هناك على اليد وهي أحق به ، وهنا على الجنب الذي هو موضعها تسمية للمحل باسم الحال { بيضاء } بياضاً كالشمس تتعجب منه . ولما كان البرص أبغض شيء إلى العرب ، نافياً له ولغيره ، ولم يسمه باسمه لأن أسماعهم له مجاجة ، ولأن نفي الأعم من الشيء أبلغ من نفيه بخصوصه : { من غير سوء } أي مرض لا برص ولا غيره ، حال كونها { آية أخرى * } افعل ما أمرتك به من إلقاء العصا وضم اليد ، أو فعلنا ذلك من إحالة العصا ولون اليد من مناداتك لمناجاتك { لنريك } في جميع أيام نبوتك { من آياتنا الكبرى * } ليثبت بذلك حنانك ، ويزداد إتقانك ، فكأنه قيل : لماذا يفعل بي هذا ؟ فقيل : لنرسلك إلى بعض المهمات { اذهب إلى فرعون } أي لترده عن عتوه : ثم علل الإرسال إلية بقوله ، مؤكداً لأن طغيان أحد بالنسبة إلى شيء مما للملك الأعلى مما يستبعد : { إنه طغى * } أي تجاوز حده من العبودية فادعى الربوبية ، وأشار إلى ما حصل له من الضيق من ذلك بما عرف من أنه أمر عظيم ، وخطب جسيم ، يحتاج معه إلى احتمال ما لا يحتمله إلا ذو جأش رابط وصدر فسيح قلب ضابط كما صرح به في سورة الشعراء - بقوله { قال رب اشرح } أي وسع { لي } ولما أبهم المشروح ليكون الكلام أوكد بتكرير المعنى في طريقي الإجمال والتفصيل ، قال رافعاً لذلك الإبهام : { صدري * } للإقدام على ذلك ، وإلى استصعابه بقوله : { ويسر لي } ثم بين ذلك الإبهام بقوله : { أمري * } وإلى استعجازه نفسه عن الإبانة لهم عن المراد بقوله : { واحلل } ولما كان المعنى هنا ما لا يحتمل غيره إذ إنه لم يسأل بقاءه في غير حال الدعوة ، عدل عن طريق الكلام الماضي فقال : { عقدة من لساني * } أي مما فيه من الحبسة عن الإتيان بجميع المقاصد من الجمرة التي وضعها في فيه وهو عند فرعون ، كما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما ، ولما كان سؤاله هذا إنما هو الله ، ولذلك اقتصر على قدر الحاجة فلم يطلب زوال الحبسة كلها ، أجابه بقوله : { يفقهوا قولي * } وإلى اعتقاد صعوبة المقام مع ذلك كله بطلب التأييد بنصير يهمه أمره بقوله : { واجعل لي } أي مما تخصني به ؛ وبين اهتمامه بالإعانة كما يقتضيه الحال فقدم قوله : { وزيراً } أي ملجأ يحمل عني بعض الثقل ويعاونني { من أهلي * } لأني به أوثق لكونه عليّ أشفق ، ثم أبدل منه قوله : { هارون } وبينه بقوله : { أخي * } أي لأنه أجدر أهلي بتمام مناصرتي ؛ وأجاب الدعاء في قراءة ابن عامر فقال : { اشدد } بقطع الهمزة مفتوحة { به أزري * } أي قوتي وظهري { وأشركه } بضم الهمزة مسنداً الفعلين إلى ضميره على أنهما مضارعان ، وقراءة الباقين بوصل الأول وفتح همزة الثاني على أنهما أمران ، مسندين إلى الله تعالى على الدعاء { في أمري * } أي النبوة .