Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 33-44)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما أفهم سؤاله هذا أن له فيه أغراضاً ، أشار إلى أنها ليست مقصودة له لأمر يعود على نفسه بذكر العلة الحقيقية ، فقال : { كي نسبحك } أي بالقول والفعل بالصلاة وغيرها { كثيراً * } فأفصح عن أن المراد بالمعاضدة إنما هو لتمهيد الطريق إليه سبحانه . ولما كان التسبيح ذكراً خاصاً لكونه بالتنزيه الذي أعلاه التوحيد ، أتبعه العام فقال : { ونذكرك } أي بالتسبيح والتحميد { كثيراً } فإن التعاون والتظاهر أعون على تزايد العبادة أنه مهيج للرغبات ؛ ثم علل طلبه لأخيه لأجل هذا الغرض بقوله : { إنك كنت بنا بصيراً * } قبل الإقامة في هذا الأمر في أنك جبلتنا على ما يلائم ذكرك وشكرك ، وأن التعاضد مما يصلحنا ، وكل ذلك تدريب لمن أنزل عليه الذكر على مثله وتذكير بنعمة تيسيره بلسانه ليزداد ذكراً وشكراً . ولما تم ذلك ، كان موضع توقع الجواب ، فأتبعه قوله : { قال } أي الله : { قد أوتيت } بأسهل أمر { سؤلك } أي ما سألته { يا موسى } من حل عقدة لسانك وغير ذلك ولو شئت لم أفعل ذلك ولكني فعلته منة مني عليك . ولما كان إنجاؤه من فرعون يث ولد في السنة التي يذبح فيها الأبناء - قالوا : وهي الرابعة من ولادة هارون عليه السلام - بيد فرعون وفي بيته أمراً عظيماً ، التفت إلى مقام العظمة مذكراً له بذلك تنويراً لبصيرته وتقوية لقلبه ، إعلاماً بأنه ينجيه منه الآن ، كما أنجاه في ذلك الزمان ، ويزيده بزيادة السن والنبوة خيراً ، فيجعل عزه في هلاكه كما جعل إذ ذاك عزه في وجوده فقال : { ولقد مننا } أي أنعمنا إنعاماً مقطوعاً به على ما يليق بعظمتنا { عليك } فضلاً منا { مرة أخرى * } غير هذه ؛ ثم ذكر وقت المنة فقال : { إذ } أي حين { أوحينا } أي بما لنا من العظمة { إلى أمك } أي بالإلهام { ما } يستحق لعظمته أن { يوحى * } به ، ولا يعلمه إلا نبي أو من هو قريب من درجة النبوة ؛ ثم فسره بقوله : { أن اقذفيه } أي ألقي ابنك { في التابوت } وهو الصندوق ، فعلوت من التوب الذي معناه تفاؤلاً به ، وقال الحرالي : هو وعاء ما يعز قدره ، والقذف مجاز عن المسارعة إلى وضعه من غير تمهل لشيء أصلاً ، إشارة إلى أنه فعل مضمون السلامة كيف ما كان ، والتعريف لأنه نوع من الصناديق أشد الناس معرفة به بنو إسرائيل { فاقذفيه } أي موسى عليه السلام عقب ذلك بتابوته ، أو التابوت الذي فيه موسى عليه السلام { في اليم } أي البحر وهو النيل . ولما كانت سلامته في البحر من العجائب ، لتعرضه للغرق بقلب الريح للتابوت ، أو بكسره في بعض الجدر أو غيرها ، أو بجريه مستقيماً مع أقوى جرية من الماء إلى البحر الملح وغير ذلك من الآفات ، أشار إلى تحتم تنجيته بلام الأمر عبارة عن معنى الخبر في قوله ، جاعلاً البحر كأنه ذو تمييز ليطيع الأمر : { فليلقه } أي التابوت الذي فيه موسى عليه السلام أو موسى بتابوته { اليم بالساحل } أي شاطىء النيل ، سمي بذلك لأن الماء يسحله ، أي ينشره إلى جانب البيت الذي الفعل كله هرباً من شر صاحبه ، وهو فرعون ، وهو المراد بقوله : { يأخذه } جواباً للأمر ، أي موسى { عدو لي } ونبه على محل العجب بإعادة لفظ العدو في قوله : { وعدو له } فإنه ما عادى بني إسرائيل بالتذبيح إلا من أجله { وألقيت عليك محبة } أي عظيمة ؛ ثم زاد الأمر في تعظيمها إيضاحاً بقوله : { مني } أي ليحبك كل من رآك لما جبلتك عليه من الخلال الحميدة ، والشيم السديدة ، لتكون أهلاً لما أريدك له { ولتصنع } أي تربى بأيسر أمر تربية بمن هو ملازم لك لا ينفك عن الاعتناء بمصالحك عناية شديدة { على عيني * } أي مستعلياً على حافظيك غير مستخفى في تربيتك من أحد ولا مخوف عليك منه ، وأنا حافظ لك حفظ من يلاحظ الشيء بعينه لا يغيب عنها ، فكان كل ما أردته ، فلما رآك هذا العدو أحبك وطلب لك المراضع ، فلما لم تقبل واحدة منهن بالغ في الطلب ، كل ذلك إمضاء لأمري وإيقافاً لأمره به نفسه لا بغيره ليزداد العجب من إحكام السبب ، ثم ذكر ظرف الصنع فقال : { إذ } أي حين { تمشي أختك } أي في الموضع الذي وضعوك به لينظروا لك مرضعة { فتقول } بعد إذ رأتك ، لآل فرعون : { هل أدلكم على من يكفله } أي يقوم بمصالحه من الرضاع والخدمة ، ناصحاً له ، فقالوا : نعم ! فجاءت بأمك فقبلت ثديها { فرجعناك } أي فتسبب عن قولها هذا أن رجعناك { إلى أمك } حين دلتهم عليها { كي تقر } أي تبرد وتسكن { عينها } وتربيك آمنة عليك غير خائفة ، ظاهرة غير مستخفية { ولا تحزن } بفراقك أو بعدم تربيتها لك وبذلها الجهد في نفعك { وقتلت نفساً } أي بعد أن صرت رجلاً من القبط دفعاً عن رجل من قومك فطلبت بها وأرادوا قتلك { فنجيناك } بما لنا من العظمة { من الغم } الذي كان قد نالك بقتله خوفاً من جريرته ، بأن أخرجناك مهاجراً لديارهم نحو مدين { وفتناك فتوناً } أي خلصناك من محنة بعد محنة مرة بعد مرة ، على أنه جمع فتن أو فتنة ، على ترك الاعتداد بالتاء ، ويجوز أن يكون مصدراً كالشكور ، إذن الفتون ولادته عام الذبح وإبقاؤه في البحر ثم منعه الرضاع من غير ثدي أمه ثم جره لحية فرعون ، ثم تناوله الجمرة بدل الدرة ، ثم قتله القبطي ، ثم خروجه إلى مدين في الطريق الهيع خائفاً يترقب ، ثم إيجار نفسه عشر سنين ، ثم إضلاله الطريق ، ثم تفرق غنمه في ليلة مظلمة { فلبثت سنين } أي كثيرة { في أهل مدين } مقيماً عند نبينا شعيب عليه السلام يربيك بآدابه ، وصاهرته على ابنته { ثم جئت } أي الآن { على قدر } أي وقت قدّرته في الأزل لتكليمي لك ، وهو بلوغ الأشد والاستواء ، وإرسالك إلى فرعون لأمضي فيه قدري الذي ذبح أبناء بني اسرائيل خوفاً منه ، فجئت غير مستقدم ولا مستأخر { يا موسى * واصطنعتك } أي ربيتك بصنائع المعروف تربية من يتكلف تكوين المربى على طريقة من الطرائق { لنفسي * } أي لتفعل من مرضاتي في تمهيد شرائعي وإنفاذ أوامري ما يفعله من يصنع للنفس من غير مشارك ، فهو تمثيل لما حوله من منزلة التقريب والتكريم . فلما تمهد ذلك كله بعد علم نتيجته ، أعادها في قوله : { اذهب أنت } كما تقدم أمري لك به { وأخوك } كما سألت { بآياتي } التي أريتك وغيرها مما أظهره على يديك { ولا تنيا } أي تفترا وتضعفا { في ذكري * } الذي تقدم أنك جعلته غاية دعائك ، بل لتكن - مع كونه ظرفاً محيطاً بجميع أمرك - في غاية الاجتهاد فيه وإحضار القلب له ، وليكن أكثر ما يكون عند لقاء فرعون أن عبدي كل عبدي للذي يذكرني عند لقاء قرنه ، فإن ذلك أعون شيء على المراد ، ثم بين المذهوب إليه بقوله ، مؤكداً لنفس الذهاب لأنه لشدة الخطر لا يكاد طبع البشر يتحقق جزم الأمر به فقال : { اذهبا إلى فرعون } ثم علل الإرسال إليه بقوله ، مؤكداً لما مضى ، ولزيادة التعجيب من قلة عقله ، فكيف بمن تبعه { إنه طغى * } ثم أمرهما بما ينبغي لكل آمر بالمعروف من الأخذ بالأحسن فالأحسن والأسهل فالأسهل ، فقال مسبباً عن الانتهاء إليه ومعقباً : { فقولا له قولاً ليناً } لئلا يبقى له حجة ، ولا يقبل له معذرة { لعله يتذكر } ما مر له من تطوير الله له في أطوار مختلفة ، وحمله فيما يكره على ما لم يقدر على الخلاص منه بحيلة ، فيعلم بذلك أن الله ربه ، وأنه قادر على ما يريد منه ، فيرجع عن غيّه فيؤمن { أو يخشى * } أي أو يصل إلى حال من يخاف عاقبة قولكما لتوهم الصدق فيكون قولكما تذكرة له فيرسل معكما بني إسرائيل ، ومعنى الترجي أن يكون حاله حال من يرجى منه ذلك ، لأنها من ثمرة اللين في الدعاء ، جرى الكلام في هذا وأمثاله على ما يتعارفه العباد في محاوراتهم ، وجاء القرآن على لغتهم وعلى ما يعنون ، فالمراد : اذهبا أنتما على رجائكما وطمعكما ومبلغكما من العلم ، وليس لهما أكثر من ذا ما لم يعلما ، وأما علمه تعالى فقد أتى من وراء ما يكون - قاله سيبويه في باب من النكرة يجري مجرى ما فيه الألف واللام من المصادر والأسماء .