Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 55-60)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما أخبر سبحانه وتعالى عما خلق في الأرض من المنافع الدالة على تمام علمه وباهر قدرته ، على وجه دالّ على خصوص القدرة على البعث ، وكان من الفلاسفة تناسخيتهم وغيرهم من يقر الله بالوحدانية ولا يقر بقول أهل الإسلام : إن الروح جسم لطيف سار في الجسم سريان النار في الفحم ، بل يقول : إنها ليست بجسم ولا قوة في جسم ولا صورة لجسم وليست متصلة به اتصال انطباع ولا حلول فيه ، بل اتصال تدبير وتصرف ، وأنها إذا فارقت البدن اتصلت بالروحانيين من العالم العقلي الذي هو عالم المجردات وانخرطت في سلك الملائكة المقربين ، أو اتصلت ببعض الأجرام السماوية من كوكب أو غيره كاتصالها بالبدن الأول وانقطع تعلقها به فلم تعد إليه حتى ولا يوم البعث عند من يقول منهم بالحشر ، وصل بذلك قوله تعالى ، يرد عليهم ، معبراً بالضمير الذي يعبر به الهيكل المجتمع من البدن والنفس : { منها } أي الأرض لا من غيرها { خلقناكم } إذ أخرجناكم منها بالعظمة الباهرة في النشأة الأولى بخلق أبيكم آدم عليه السلام { وفيها } لا في غيرها كما أنتم كذلك تشاهدون { نعيدكم } بالموت كذلك أجساماً وأرواحاً ، فتصيرون تراباً كما كنتم ، وللروح مع ذلك وأن كانت في عليين تعلق ببدنها بوجه ما ، يدرك البدن به اللذة بالتذاذها والألم بتألهما ، وقد صح أن الميت يقعد في قبره ويجيب سؤال الملكين عليهما السلام ، لا يقدر أحد منكم أن يخلص من تلك العظمة المحيطة بجليل عظمته ولا بدقيق حكمته { ومنها } لا من غيرها { نخرجكم } يوم البعث بتلك العظمة بعينها { تارة أخرى * } كما بدأناكم أول مرة مثل ما فعلنا في النبات سواء ، فقد علم أن هذا فعل الواحد المختار ، لا فعل الطبائع ، فمرة جعلكم أحياء من شيء ليس له أصل في الحيوانية أصلاً ، وكرة ردكم إلى ما كنتم عليه قبل الحياة تراباً لا روح فيه ولا ما يشبهها ، فلا ريب أن فاعل ذلك قادر على أن يخرجكم منها أحياء كما ابتدأ ذلك ، بل الإعادة أهون في مجاري العادة . ولما كان ما ذكر مما علق بالأرض من المرافق وغيره على غاية من الوضوح ، ليس وراءها مطمح ، فكان المعنى : أرينا فرعون هذا الذي ذكرنا لكم من آياتنا وغيره ، وكان المقام لتعظيم القدرة ، عطف عليه قوله : { ولقد أريناه } أي بالعصا واليد وغيرهما مما تقدم من مقتضى عظمتنا { آياتنا } أي التي عظمتها من عظمتنا { كلها } بالعين والقلب لأن من قدر على مثل ذلك فهو قادر على غيره من أمثاله من خوارق العادات ، لأن الممكنات بالنسبة إلى قدرته على حد سواء ، لا سيما والذي ذكر أمهات الآيات كما سيومأ إليه إن شاء الله تعالى في سورة الأنبياء { فكذب } أي بها { وأبى * } أي أن يرسل بني إسرائيل ؛ وهذا أبلغ من تعديد ما ذكر في الأعراف ، فكأنه قيل : كيف صنع في تكذيبه وإبائه ؟ فقيل : { قال } حين لم يجد مطعناً مخيلاً للقبط بما يثيرهم حمية لأنفسهم لأنه علم حقية ما جاء به موسى وظهوره ، وتقبل العقول له ، فخاف أن يتبعه الناس ويتركوه ، ووهن في نفسه وهناً عظيماً بتأمل كلماته مفردة ومركبة يعرف مقداره : { أجئتنا لتخرجنا من أرضنا } هذه التي نحن مالكوها { بسحرك يا موسى * } فخيل إلى أتباعه أن ذلك سحر ، فكان ذلك - مع ما ألفوه من عادتهم في الضلال - صارفاً لهم عن اتباع ما رأوا من البيان ، ثم وصل بالفاء السببية قوله مؤكداً إيذاناً بعلمه أن ما أتى به موسى ينكر كل من يراه أن يقدر غيره على معارضته : { فلنأتينك } أي والإله الأعظم ! بوعد لا خلف فيه { بسحر مثله } تأكيداً لما خيل به ؛ ثم أظهر النصفة والعدل إيثاقاً لربط قومه فقال : { فاجعل بيننا وبينك موعداً } أي من الزمان والمكان { لا نخلفه } أي لا نجعله خلفنا { نحن ولا أنت } بأن نقعد عن إتيانه . ولما كان من الزمان والمكان لا ينفك عن الآخر قال : { مكاناً } وآثر ذكر المكان لأجل وصفه بقوله : { سوى * } أي عدلاً بيننا ، لا حرج على واحد منا في قصده أزيد من حرج الآخر ، فانظر هذا الكلام الذي زوقه وصنعه ونمقه فأوقف به قومه عن السعادة واستمر يقودهم بأمثاله حتى أوردهم البحر فأغرقهم ، ثم في غمرات النار أحرقهم ، فعلى الكيس الفطن أن ينقد الأقوال والأفعال ، والخواطر والأحول ، ويعرضها على محك الشرع : الكتاب والسنة ، فما وافق لزمه وما لا تركه . ولما كان مجتمع سرورهم الذي اعتادوه حاوياً لهذه الأغراض زماناً ومكاناً وغيرهما ، اختاره عليه السلام لذلك ، فاستؤنف الخبر عنه في قوله تعالى : { قال موعدكم } أي الموصوف { يوم الزينة } أي عيدكم الذي اعدتم الاجتماع فيه في المكان الذي اعتدتموه ، فآثر هنا ذكر الزمان وإن كان يتضمن المكان لما فيه من عادة الجمع كما آثر فيما تقدم المكان لوصفه بالعدل { وأن يحشر } بناه للمفعول لأن القصد الجمع ، لا كونه من معين { الناس } أي إغراء ولو بكره { ضحى * } ليستقبل النهار من أوله ، فيكون أظهر لما يعمل وأجلى ، ولا يأتي الليل إلا وقد قضي الأمر ، وعرف المحق من المبطل ، وأنتم أجمع ما تكونون وأفرغ ، فيكل حد المبطلين وأشياعهم ، والمتكبرين على الحق وأتباعهم ، ويكثر المحدث بذلك الأمر العلم في كل بدو وحضر ، ويشيع في جميع أهل الوبر والمدر { فتولى فرعون } عن موسى إلى تهيئة ما يريد من الكيد بعد توليه عن الانقياد لأمر الله { فجمع كيده } أي مكره وحيلته وخداعه ، الذي دبره على موسى بجمع من يحصل بهم الكيد ، وهم السحرة ، حشرهم من كل أوب ، وكان أهل مصر أسحر أهل الأرض وأكثرهم ساحراً ، وكانوا في ذلك الزمان أشد اعتناء بالسحر وأمهر ما كانوا وأكثر { ثم أتى * } للميعاد الذي وقع القرار عليه بمن حشره من السحرة والجنود ومن تبعهم من الناس ، مع توفر الدواعي على الإتيان للعيد ، والنظر إلى تلك المغالبة التي لم يكن مثلها .