Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 61-67)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما تشوف السامع إلى ما كان من موسى عليه السلام عند ذلك ، استأنف سبحانه الخبر عنه بقوله : { قال لهم } أي لأهل الكيد وهم السحرة وغيرهم { موسى } حين رأى اجتماعهم ناصحاً لهم : { ويلكم } يا أيها الناس الذين خلقهم الله لعبادته { لا تفتروا } أي لا تتعمدوا أن تصنعوا استعلاء { على الله كذباً } بجعلكم آياته العظام الثابتة سحراً لا حقيقة له ، وادعائكم أن ما تخيلون به حق وليس بخيال ، وإشراككم به ؛ وسبب عنه قوله : { فيسحتكم } أي يهلككم ؛ قال الرازي . وأصله الاستئصال { بعذاب } أي عظيم تظهر به خيبتكم { وقد خاب } كل { من افترى * } أي تعمد كذباً على الله أو على غيره { فتنازعوا } أي تجاذب السحرة { أمرهم بينهم } لما سمعوا هذا الكلام ، علماً منهم بأنه لا يقدر أن يواجه فرعون بمثله في جميع جنوده وأتباعه لم يسلم منه إلا من الله معه { وأسروا النجوى * } أي كلامهم الذي تناجوا به وبالغوا في إخفائه ، فإن النجوى الإسرار ، لئلا يظهر فرعون وأتباعه على عوارهم في اختلافهم الذي اقتضاه لفظ التنازع ، فكأنه قيل : ما قالوا حين انتهى تنازعهم ؟ فقيل : { قالوا } أي السحرة بعد النظر وإجالة الرأي ما خيلهم به فرعون تلقناً منه وتقرباً إليه بما ينفر الناس عن موسى وهارون عليهما السلام ويثبطهم عن اتباعهما وإن غلبا ، لأنه لا ينكر غلبة ساحر على ساحر آخر : { إن هذان } أي موسى وهارون وقرىء : هاذان - بالألف ، على لغة من يجعل ألف المثنى لازمة في كل حال ؛ قال أبو حيان : وهي لغة لطوائف من العرب لبني الحارث بن كعب وبعض كنانة خثعم وزبيد وبني العنبر وبني الهجيم ومراد وعذره . { لساحران } لا شك في ذلك منهما { يريدان } أي بما يقولان من دعوى الرسالة وغيرها { أن يخرجاكم } أيها الناس { من أرضكم } هذه التي ألفتموها ، وهي وطنكم خلفاً عن سلف { بسحرهما } الذي أظهراه لكم وغيره . ولما كان كل حزب بما لديهم فرحون قالوا : { ويذهبا بطريقتكم } هذه السحرية التي تعبتم في تمهيدها ، وأفنى فيها أسلافكم أعمارهم ، حتى بلغ أمرها الغاية ، وبدينكم الذي به قوامكم { المثلى * } أي التي هي أمثل الطرق ، فيكونا آثر بما يظهرانه منها عند الناس منكم ، ويصرفان وجوه الناس إليها عنكم ، ويبطل ما لكم بذلك من الارزاق والعظمة عند الخاص والعام وغير ذلك من الأغراض { فأجمعوا كيدكم } أي لا تدعوا منه شيئاً إلا جئتم به ولا تختلفوا تضعفوا { ثم ائتوا } إلى لقاء موسى وهارون لمباراتهما { صفاً } أي متسابقين متساوين في السباق ليستعلي أمركم عليهما فتفلحوا ، والاصطفاف أهيب في صدور الرائين . ولما كان التقدير : فمن أتى كذلك فقد استعلى ، عطف عليه قولهم محققاً : { وقد أفلح اليوم } في هذا الجمع الذي ما اجتمع مثله قط { من استعلى * } أي غلب ووجد علوه ، أي ففعلوا ما تقدم وأتوا صفاً ، فلما أتوا وكانوا خبيرين بأن يقولوا ما ينفعهم في مناصبة موسى عليه السلام ، استؤنف الإخبار عنه بقوله تعالى : { قالوا } أي السحرة منادين ، لأن لين القول مع الخصم إن لم ينفع لم يضر : { يا موسى إما أن تلقي } ما معك مما تناظرنا به أولاً { وإما أن نكون } أي نحن { أول من ألقى * } ما معه { قال } أي موسى مقابلاً لأدبهم بأحسن منه ولأنه فهم أن مرادهم الابتداء ، وليكون هو الآخر فيكون العاقبة بتسليط معجزته على سحرهم فلا يكون بعدها شك : لا ألقي أنا أولاً { بل ألقوا } أنتم أولاً ، فانتهزوا الفرصة ، لأن ذلك كان مرادهم بما أفهموه من تعبير السياق والتصريح بالأول ، فألقوا { فإذا حبالهم وعصيهم } التي ألقوها { يخيل إليه } وهو صفينا تخييلاً مبتدئاً { من سحرهم } الذي كانوا قد فاقوا به أهل الأرض { أنها } لشدة اضطربها { تسعى * } سعياً ، وإذا كان هذا حاله مع أنه أثبت الناس بصراً وأنفذهم بصيرة فما ظنك بغيرة ! { فأوجس } أي أضمر بسبب ذلك ، وحقيقته : أوقع واجساً أي خاطراً وضميراً . ولما كان المقام لإظهار الخوارق على يديه ، فكان ربما فهم أنه أوقعه في نفس أحد غيره ، كان المقام للاهتمام بتقديم المتعلق ، فقال لذلك لا لمراعاة الفواصل : { في نفسه } أي خاصة ، وقدم ما المقام له والاهتمام به فقال : { خيفة موسى * } مثل ما خاف من عصاه أول ما رآها كذلك على ما هو طبع البشر ، وللنظر إلى الطبع عبر بالنفس لا القلب مثلاً .