Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 72-76)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما علموا ما خيل به على عقول الضعفاء ، نبهوهم فأخبر تعالى عن ذلك بقوله مستأنفاً : { قالوا لن نؤثرك } أي نقدم أثرك بالاتباع لك لنسلم من عذابك الزائل { على ما جاءنا } به موسى عليه السلام { من البينات } التي عايناها وعلمنا أنه لا يقدر أحد على مضاهاتها . ولما بدؤوا بما يدل على الخالق من الفعل الخارق ، ترقوا إلى ذكره بعد معرفته بفعله ، إشارة إلى عليّ قدره فقالوا : { والذي } أي ولا نؤثرك بالاتباع على الذي { فطرنا } أي ابتدأ خلقنا ، إشارة إلى شمول ربوبيته سبحانه وتعالى لهم وله ولجميع الناس ، وتنبيهاً على عجز فرعون عند من استحقه ، وفي جميع أقوالهم هذه من تعظيم الله تعالى عبارة وإشارة وتحقير فرعون أمر عظيم . ولما تسبب عن ذلك أنهم لا يبالون به ، علماً بأن ما فعله فهو بإذن الله ، قالوا : { فاقض ما } أي فاصنع في حكمك الذي { أنت قاض } ثم عللوا ذلك بقولهم : { إنما تقضي } أي تصنع بنا ما تريد أن قدرك الله عليه { هذه الحياة الدنيا * } أي إنما حكمك في مدتها على الجسد خاصة ، فهي ساعة تعقب راحة ، ونحن لانخاف إلا ممن يحكم على الروح وإن فني الجسد ، فذاك هو الشديد العذاب ، الدائم الجزاء بالثواب أو العقاب ، ولعلهم أسقطوا الجار تنزلاً إلى أن حكمه لو فرض أنه يمتد إلى آخر الدنيا لكان أهلاً لأن لا يخشى لأنه زائل وعذاب الله باق . ثم عللوا تعظيمهم لله واستهانتهم بفرعون بقولهم : { إنا ءامنا بربنا } أي المحسن إلينا طول أعمارنا مع إساءتنا بالكفر وغيره { ليغفر لنا } من غير نفع يلحقه بالفعل أو ضرر يدركه بالترك { خطايانا } التي قابلنا بها إحسانه : ثم خصوا بعد العموم فقالوا : { وما أكرهتنا عليه } وبينوا ذلك بقولهم : { من السحر } لتعارض به المعجزة ، فإن كان الأكمل لنا عصيانك فيه لأن الله أحق بأن يتقى . روي أن الذي كان من القبط من السحرة اثنان فقط ، والباقون من بني إسرائيل أكرههم فرعون على تعلم السحر ، وروي أنهم رأوا موسى عليه السلام نائماً وعصاه تحرسه فقالوا لفرعون إن الساحر إذا نام بطل سحره ، فهذا لا يقدر على معارضته ، فأبى عليهم وأكرههم على المعارضة . ولما كان التقدير : فربنا أهل التقوى وأهل المغفرة ، عطفوا عليه مستحضرين لكماله : { والله } أي الجامع لصفات الكمال { خير } جزاء منك فيما وعدتنا به { وأبقى * } ثواباً وعقاباً ، والظاهر أن الله تعالى سلمهم من فرعون ، ويؤيده قوله تعالى { أنتما ومن اتبعكما الغالبون } [ القصص : 35 ] - قاله أبو حيان . وسيأتي في آخر الحديد ما هو صريح في نجاتهم ؛ ثم عللوا هذا الختم بقولهم : { إنه من يأت ربه } أي الذي رباه وأحسن إليه بأن أوجده وجعل له جميع ما يصلحه { مجرماً } أي قاطعاً ما أمره به أن يوصل { فإن له جهنم } دار الإهانة { لا يموت فيها } أبداً مع شدة عذابها . بخلاف عذابك الذي إن اشتد أمات فزال سريعاً ، وإن خف لم يُخِفْ وكان آخره الموت وإن طال { ولا يحيى * } فيها حياة ينتفع بها { ومن يأته } أي ربه الذي أوجده ورباه { مؤمناً } أي مصدقاً به . ولما قدم أن مجرد الكفر يوجب العذاب . كان هذا محلاًّ يتوقع فيه الإخبار عن الإيمان بمثل ذلك فقال : { قد } أي ضم إلى ذلك تصديقاً لإيمانه أنه { عمل } أي في الدنيا { الصالحات } التي أمر بها فكأن صادق الإيمان مستلزم لصالح الأعمال { فأولئك } أي العالو الرتبة { لهم } أي لتداعي ذواتهم بمقتضى الجبلة { الدرجات العلى * } التي لا نسبة لدرجاتك التي وعدتنا بها منها ؛ ثم بينوها بقولهم : { جنات عدن } أي أعدت للإقامة وهيئت فيها أسبابها { تجري من تحتها الأنهار } أي من تحت غرفها وأسرتها وأرضها ؛ فلا يراد موضع منها لأن يجري فيه نهر إلا جرى ؛ ثم بين بقوله : { خالدين فيها } أن أهلها هيئوا أيضاً للإقامة . ولما أرشد السياق والعطف على غير معطوفٍ عليه ظاهر إلى أن التقدير : ذلك الجزاء العظيم والنعيم المقيم جزاء الموصوفين ، لتزكيتهم أنفسهم ، عطف عليه قوله : { وذلك جزاء } كل { من تزكى * } أي طهر نفسه بما ذكر من الإيمان والأعمال الصالحة ، وفي هذا تسلية للصحابة رضوان الله عليهم فيما كان يفعل بهم عند نزول هذه السورة إذ كانوا مستضعفين .