Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 68-71)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان ذلك ، وكان المعلوم أن الله معه ، وأنه جدير بإبطال سحرهم ، استأنف الخبر عنه بقوله : { قلنا } بما لنا من العظمة : { لا تخف } من شيء من أمرهم ولا غيره ، ثم علل ذلك بقوله ، وأكده أنواعاً من التأكيد لاقتضاء الحال إنكار أن يغلب أحد ما أظهروا من سحرهم لعظمه : { إنك أنت } أي خاصة { الأعلى * } أي الغالب غلبة ظاهرة لا شبهة فيها { وألق } وأشار إلى يمن العصا وبركتها بقوله : { ما في يمينك } أي من هذه العصا التي قلنا لك أول ما شرفناك بالمناجاة { وما تلك بيمينك يا موسى } ثم أريناك منها ما أريناك { تلقف } بقوة واجتهاد مع سرعة لا تكاد تدرك - بما أشار إليه حذف التاء { ما صنعوا } أي فعلوه بعد تدرب كبير عليه وممارسة طويلة ؛ ثم علل ذلك بقوله : { إنما } أي أن الذي { صنعوا } أي أن صنعهم مما رأيته وهالنا أمُره . ولما كان المقصود تحقير هذا الجيش أفرد ونكر لتنكير المضاف وتحقيره فقال : { كيد ساحر } أي كيد سحري لا حقيقة له ولا ثبات ، سواء كان واحداً أو جمعاً ، ولو جمع لخيل أن المقصود العدد ، ولما كان التقدير : فهم لا يفلحون ، عطف عليه قوله : { ولا يفلح الساحر } أي هذا الجنس { حيث أتى * } أي كيف ما سار وأيّه { سلك } فإنه إنما يفعل ما لا حقيقة له ، فامتثل ما أمره به ربه من إلقاء عصاه ، فكان ما وعده به سبحانه من تلقفها لما صنعوا من غير أن يظهر عليها زيادة في ثخن ولا غيره مع أن حبالهم وعصيهم كانت شيئاً كثيراً ، فعلم كل من رأى ذلك حقيته وبطلان ما فعل السحرة ، فبادر السحرة منهم إلى الخضوع لأمر الله ساجدين مبادرة من كأنه ألقاه ملق على وجهه ، ولذلك قال تعالى بعد أن ذكر مكرهم واجتهادهم في معارضة موسى عليه الصلاة والسلام وحذف ذكر الإلقاء وما سببه من التلقف لأن مقصود السورة القدرة على تليين القلوب القاسية : { فألقي السحرة } أي فألقاهم ما رأوا من أمر الله بغاية السرعة وبأيسر أمر { سجداً } على وجوههم ؛ قال الأصبهاني : سبحان الله ! ما أعظم شأنهم ! ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود ، ثم ألقوا رؤوسهم بعد ساعة الشكر والسجود ، فما أعظم الفرق بين الإلقاءين . فكأن قائلاً قال : هذا فعلهم فما قالوا ؟ فقيل : { قالوا آمنا } أي صدقنا . ولما كان سياق هذه السورة مقتضياً لتقديم هارون عليه السلام قال : { برب هارون وموسى * } بشارة للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه سبحانه لا يشقيه بهذا القرآن بل يهدي الناس به ويذلهم له ، فيجعل العرب على شماختها أذل شيء لوزرائه وأنصاره وخلفائه وإن كانوا أضعف الناس ، وقبائلهم أقل القبائل ، مع ما في ذلك من الدليل على صدق إيمانهم وخلوص ادعائهم بتقديم الوزير المترجم ترقياً في درج المعرفة ممن أوصل ذلك إليهم إلى من أمره بذلك ثم إلى من أرسله شكراً للمنعمين بالتدريج " لا يشكر الله من لم يشكر الناس " وهذا لما أوجب تقديمه هنا لا لهذا فقط ، وذكروا اسم الرب إشارة إلى أنه سبحانه أحسن إليهما بإعلاء شأنهما على السحرة ، وعلى من كانوا يقرون بالربوبية ، وهو فرعون الذي لم يغن عنهم شيئاً ، فكانوا أول النهار سحرة ، وآخر شهداء بررة ، وهذه الآية في أمثالها من أي هذه السور وغيرها مما قدم فيه ما يتبادر أن حقه التأخير وبالعكس لأنحاء من المعاني دقيقة ، هي التي حملت بعض من لم يرسخ إلى أن يقول : إن القرآن يراعي الفواصل كما يتكلف بلغاء العرب السجع ، وتبعه جمع من المتأخرين تقليداً ، وقد عاب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك حين قال : " سجع كسجع الجاهلية أو قال : الكهان " وقد علم مما ذكرته أن المعنى الذي بنيت عليه السورة ما كان ينتظم إلا بتقديم هارون ، ويؤيد ذلك أنه قال هنا { إنا رسولا } وفي الشعراء { رسول } ، وقد قال الإمام فخر الدين الرازي كما حكاه عنه الشيخ أبو حيان في سورة فاطر من النهر : لا يقال في شيء من القرآن : أنه قدم أو أخر لأجل السجع ، لأن معجزة القرآن ليست في مجرد اللفظ ، بل فيه وفي المعنى ، وقال القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب إعجاز القرآن : ذهب أصحابنا كلهم إلى نفي السجع من القرآن وذكره أبو الحسن الأشعري في غير موضع من كتبه ، ثم رد على المخالف بأن قال : والذي يقدرونه أنه سجع فهو وهم ، لأنه قد يكون الكلام على مثال السجع وإن لم يكن سجعاً لأن السجع يتبع المعنى فيه اللفظ الذي يؤدي السجع . وليس كذلك ما اتفق مما هو في تقدير السجع من القرآن ، لأن اللفظ يقع فيه تابعاً للمعنى ، وفصل بين أن ينتظم الكلام في نفسه بألفاظه التي تؤدي المعنى المقصود فيه وبين أن يكون المعنى منتظماً دون اللفظ . ومتى ارتبط المعنى بالسجع كان إفادة السجع كإفادة غيره . ومتى انتظم المعنى بنفسه دون السجع كان مستجلباً لتحسين الكلام دون تصحيح المعنى ، ثم استدل على ذلك بأشياء نفيسة أطال فيها وأجاد - رحمه الله ، وقد تقدم في آخر سورة التوبة ما ينفع جداً في هذا المرام . ولما كان موسى عليه السلام هو المقصود بالإرسال إلى فرعون ، استأنف تعالى الإخبار عن فرعون عندما فجئه ذلك فقال : { قال } أي فرعون للسحرة منكراً عليهم ، وأضمر اسمه هنا ولم يظهره كما في الأعراف لأن مقصود السورة الرفق بالمدعوين والحلم عنهم ، وهو غير متأهل لذكر اسمه في هذا المقام : { آمنتم } أي بالله { له } أي مصدقين أو متبعين لموسى { قبل أن ءاذن لكم } في ذلك ، إبهاماً بأنه سيأذن فيه ليقف الناس عن المبادرة إلى الاتباع بين خوف العقوبة ورجاء الإذن ؛ ثم استأنف قوله معللاً مخيلاً لأتباعه صداً لهم عن الاقتداء بهم : { إنه لكبيركم } أي في العلم { الذي علمكم السحر } فلم تتبعوه لظهور الحق ، بل لإرادتكم شيئاً من المكر وافقتموه عليه قبل حضوركم في هذا الموطن ، وهذا على عادته في تخييل أتباعه فيما يوقفهم عن اتباع الحق . ولما خيلهم ، شرع يزيدهم حيرة بتهديد السحرة فقال : { فلأقطعن } أي سبب ما فعلتم { أيديكم } على سبيل التوزيع { وأرجلكم } أي من كلٍّ يداً ورجلاً { من خلاف } فإذا قطعت اليد اليمنى قطعت الرجل اليسرى { ولأصلبنكم } وعبر عن الاستعلاء بالظرف إشارة إلى تمكينهم من المصلوب فيه تمكين المظروف في ظرفه فقال : { في جذوع النخل } تبشيعاً لقتلكم ردعاً لأمثالكم { ولتعلمن أينا } أنا أورب موسى الذي قال : إنه أوحى إليه أن العذاب على من كذب وتولى { أشد عذاباً وأبقى * } أي من جهة العذاب ، أي أينا عذابه أشد وأطول زماناً .