Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 87-94)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما تشوف السامع إلى جوابهم ، استأنف ذكره فقال : { قالوا } : لم يكن شيء من ذلك . ولما كان المقصود من هذا السياق كله إظهار عظيم القدرة ، عبر عن ذلك بقوله ، حكاية عنهم للاعتراف بما قررهم موسى عليه السلام به من العناد معتذرين عنه بالقدرة ، والاعتذار به لا يدفع العقوبة المرتبة على الذنب : { ما أخلفنا موعدك بملكنا } أي لقد صدقت فيما قلت ، ولكنا لم نفعل ذلك ونحن بملك أمرنا - هذا على قراءة الجماعة بالكسر ، وعلى قراءة نافع وعاصم بالفتح المعنى : ولنا ملكة نتصرف بها في أنفسنا ، وعلى قراءة حمزة والكسائي بالضم كأنهم قالوا : ولنا سلطان قاهر لأمورنا - على أنهم قد ذكروا أن القراءات الثلاث لغات لمعنى واحد ، قال في القاموس : ملكه يملكه ملكاً مثلثة : احتواه قادراً على الاستبداد به ، والمعنى أن السامري زين لهم ذلك ، ووسوس به الشيطان فما دورا إلا وقد تبعوه حتى كانوا كأنهم يقادون إليه بالسلاسل ، وقيل هذا كلام من لم يعبده ، اعتذروا بأنهم كانوا قليلاً ، لا قدرة لهم على مقاومة من عبده ، وهذا كله إشارة إلى أنه تعالى هو المتصرف في القلوب ، فهو قادر على أن يرد كفار قريش والعرب من بعد عنادهم ، ولددهم وفسادهم { ولكنا } كنا { حملنا أوزاراً } أي أثقالاً من النقدين هي أسباب الآثام ، كما تقدم في الأعراف أن الله أمرهم في التوراة أن يستعيروها من القبط فخربوهم بها ، وكأن هذا ما كان خيانة في ذلك الشرع ، أو أن الله تعالى أباح لهم ذلك في القبط خاصة { من زينة القوم } الذين لم نكن نعرف قوماً غيرهم ، وغيرهم ليس حقيقاً بإطلاق هذا اللفظ عليه وهم القبط ، فقضى لنا أن نقذفها في النار ، وتوفرت الدواعي على ذلك واشتدت بحيث لم نتمالك { فقذفناها فكذلك } أي فتعقب هذا أنه مثل ذلك الإلقاء { ألقى السامري * } وهو لصيق انضم إليهم من قبط مصر ، ألقى ما كان معه ، أما من المال وإما من أثر الرسول ، كما مضى ويأتي ، وكأن إلقاءه كان آخراً . ولما كان خروج التمثال عقب إلقاءه ، حعل كأنه المتسبب في ذلك ، فقيل مع العدول عن أسلوب التكلم استهجاناً لنسبة أمر العجل إلى المتكلم : { فأخرج لهم } أي لمن شربه وعبده ، وجعل الضمير للغيبة يؤيد قول من جعل هذا كلام من لم يعبد العجل ، والمعنى عند من جعله من كلام العابدين أنهم دلوا بذلك على البراءة منه والاستقذار له . ولما كان شديد الشبه للعجول ، قيل : { عجلاً } وقدم قوله : { جسداً } لنعرف أن عجليته صورة لا معنى - على قوله : { له خوار } لئلا يسبق إلى وهم أنه حي ، فتمر عليه لمحة على اعتقاد الباطل { فقالوا } أي فتسبب عن ذلك أن السامري قال فتابعه عليه من أسرع في الفتنة أول ما رآه : { هذا } مشرين إلى العجل الذي هو على صورة ما هو مثل في الغباوة { إلهكم وإله موسى * فنسى * } أي فتسبب عن أنه إلهكم أن موسى نسي - بعدوله عن هذا المكان - موضعه فذهب يطلبه في مكان غيره ، أو نسي أن يذكره لكم . ولما كان هذا سبباً للإنكار على من قال هذا ، قال : { أفلا يرون } أي أقالوا ذلك ؟ فتسبب قولهم عن عماهم عن رؤية { أن } أي أنه { لا يرجع إليهم قولاً * } والإله لا يكون أبكم { ولا يملك لهم ضراً } فيخافوه كما كانوا يخافون فرعون فيقولوا ذلك خوفاً من ضره { ولا نفعاً * } فيقولوا ذلك رجاء له . ولما كان الذنب مع العلم أبشع ، والضلال بعد البيان أشنع ، قال عاطفاً على قوله { قال يا قوم ألم يعدكم } أو على قوله " قالوا ما أخلفنا " : { ولقد قال لهم هارون } أي مع أن من لم يعبده لم يملكوا رد من عبده . ولما كان قولهم في بعض ذلك الزمان ، قال : { من قبل } أي من قبل رجوع موسى ، مستعطفاً لهم : { يا قوم } ثم حصر أمرهم ليجتمع فكرهم ونظرهم فقال : { إنما فتنتم } أي وقع اختباركم فاختبرتم في صحة إيمانكم وصدقكم فيه وثباتكم عليه { به } أي بهذا التمثال في إخراجه لكم على هذه الهيئة الخارقة للعادة . وأكد لأجل إنكارهم فقال : { وإن ربكم } أي الذي أخرجكم من العدم ورباكم بالإحسان { الرحمن } وحده الذي فضله عام ونعمه شاملة ، فليس على البر ولا فاجر نعمة إلا وهي منه قبل أن يوجد العجل ، وهو كذلك بعده . ومن رحمته قبول التوبة ، فخافوا نزع نعمه بمعصيته ، وارجوا إسباغها بطاعته { فاتبعوني } بغاية جهدكم في الرجوع إليه { وأطيعوا أمري * } في دوام الشرف بالخضوع لديه ، ودوام الإقبال عليه ، بدفع عنكم ضيره ، ويفض عليكم خيره . ولما كان هذا موضع أن يسأل من جوابهم لهذا الأمر الواضح الذي لا غبار عليه ، قيل : { قالوا } بفظاظة وجمود : { لن نبرح عليه } أي على هذا العجل { عاكفين } أي مقيمين مستديرين مجتمعين وإن حاربنا في ذلك { حتى يرجع إلينا موسى * } فدافعهم ، فهمّوا به ، وكان معظمهم قد ضل ، فلم يكن معه من يقوى بهم ، فخاف أن يجاهد بهم الكافرين فلا يفيد ذلك شيئاً ، ويقتل بعضهم فيحمى له آخرون من ذوي رحمة الأقربين ، فيصير بين بني إسرائيل فرقة يبعد ضم شتاتها وتلافي دهمائها ، وكانوا قد غيوا الرجوع برجوع موسى عليه السلام مع أنه لم يأمره بجهاد من ضل ، إنما قال له { وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين } [ الأعراف : 142 ] فرأى من الإصلاح اعتزلهم إلى أن يأتي ، فلما ذكر ما قال هارون عليه السلام ، التفتت النفس إلى علم ما قال له موسى عليه السلام لأنه خليفته عليهم ، مع كونه راساً في نفسه ، فدفع هذا العناء بقوله ، مسقطاً أخذه برأس أخيه لما تقدم من ذكره ويأتي هنا من الدلالة عليه ، ولم تدع إليه ضرورة في هذه السورة التي من أعظم مقاصدها الدلالة على تليين القلوب : { قال } أي موسى : { يا هارون } أنت نبي الله وأخي ووزيري وخليفتي فأنت أولى الناس بأن ألومه ، وأحقهم بأن أعاتبه { ما منعك إذ } أي حين { رأيتهم ضلوا * } عن طريق الهدى ، واتبعوا سبيل الردى ، من اتباعي في سيرتي فيهم من الأخذ على يد الظالم طوعاً أو كرهاً ، اتباعاً لا تزيغ فيه عما نهجته لك بوجه من الوجوه شيئاً من زيغ ، وعبر عن هذا التأكيد بزيادة " لا " في قوله : { ألاَّ تتبعن } كما تقدم غير مرة أن النافي إذا زيد في الكلام كان نافياً لضد مضمونه فيفيد إثباتاً للمضون ونفياً لضده ، فيكون ذلك في غاية التأكيد { أفعصيت } أي أتكبرت عن اتباعي فتسبب عن ذلك أنك عصيت { أمري * } وأخذ بلحيته وبرأسه يجره إليه غضباً لله تعالى ، فكأنه قيل : ما قال له ؟ فقيل : { قال } مجيباً له مستعطفاً بذكر أول وطن ضمهما بعد نفخ الروح مع ما له من الرقة والشفقة : { يبنؤم } فذكره بها خاصة وإن كان شقيقه لأنه يسوءها ما يسوءه ، وهي أرق من الأب { لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي } أي بشعره ؛ ثم علل ذلك بقوله : { إني خشيت أن تقول } إن اشتددت عليهم حتى يصل الأمر إلى القتال { فرقت بين بني إسرائيل } بفعلك هذا الذي لم يُجْدِ شيئاً لقلة من كان معك وضعفكم عن ردهم { ولم ترقب قولي * } { اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين } ولم تقل وارددهم ولو أدى الأمر إلى السيف ، وهذا كما كان النبي صلى الله عليه وسلم مأموراً بالصفح والحلم والمدافعة باللين عند ضعف الناصر وقلة المعين .