Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 32-35)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما دلهم بالسماوات والأرض على عظمته ، ثم فصل بعض ما في الأرض لملابستهم له ، وخص الجبال لكثرتها في بلادهم ، أتبعه السماء فقال : { وجعلنا } أي بعظمتنا { السماء } وأفردها بإرادة الجنس لأن أكثر الناس لا يشاهدون منها إلا الدنيا ولأن الحفظ للشيء الواحد أتقن { سقفاً } أي للأرض لا فرق بينها وبين ما يعهد من السقوف إلا أن ما يعهد لا يسقط منه إلا ما يضر ، وهذه مشحونة بالمنافع فأكثر ما ينزل منها ما لا غنى للناس عنه من الآت الضياء وعلامات الاهتداء والزينة التي لا يقدر قدرها . ولما كان ما يعرفون من السقوف على صغرها لا تثبت إلا بالعمد ، ويتمكن منه المفسدون ، وتحتاج كل قليل إلى إصلاح وتعهد ، بين أن هذا السقف على سعته وعلوه على غير ذلك فقال : { محفوظاً } أي عن السقوط بالقدرة وعن الشياطين بالشهب ، فذكّر باعتبار السقف ، وأشار إلى كثرة ما حوى من الآيات مؤنثاً باعتبار السماء أو العدد الدال عليه الجنس ، لأن العدد أولى بالدلالة على كثرة الآيات والنجوم مفرقة في الكل فقال : { وهم } أي أكثر الناس { عن آياتها } أي من الكواكب الكبار والصغار ، والرياح والأمطار ، وغير ذلك من الدلائل التي تفوت الانحصار ، أي الدالة على قدرتنا على كل ما نريد من البعث وغيره وعلى عظمتنا بالتفرد بالإلهية وغير ذلك من أوصاف الكمال ، من الجلال والجمال { معرضون * } لا يتفكرون فيما فيها من التسيير والتدبير بالمطالع والمغارب والترتيب القويم الدال على الحساب الدائر عليه سائر المنافع . ولما ذكر السماء ، ذكر ما ينشاء عنها فقال : { وهو } أي لا غيره { الذي خلق الّيل والنهار } ثم أتبعهما آيتيهما فقال : { والشمس } التي هي آية النهار وبها وجوده { والقمر } الذي هو آية الليل . ولما ذكر أعظم آياتها فأفهم بقية الكواكب ، استأنف لمن كأنه قال : هل هي كلها في سماء واحدة ؟ : { كل } أي من ذلك { في فلك } فكأنه قيل : ماذا تصنع ؟ فقيل تغليباً لضمير العقلاء … ونقلهم إليها : { يسبحون * } أي كل واحد يسبح في الفلك الذي جعل به . ولما ذكر الصارم البتار ، للأعمار الطوال والقصار ، من الليل والنهار ، كان كأنه قيل : فيفنيان كل شديد ، ويبليان كل جديد ، فعطف عليه قوله : { وما جعلنا } أي بما لنا من العظمة التي اقتضت تفردنا بالبقاء { لبشر } وحقق عدم هذا الجعل بإثبات الجار فقال : { من قبلك الخلد } ناظراً إلى قوله { وما كانوا خالدين } بعد قوله { هل هذا إلا بشر مثلكم } وهذا من أقوى الأدلة على أن الخضر عليه السلام مات ، ويجاب بأن الحياة الطويلة ليست خلداً كما في حق عيسى عليه السلام ، لكن قوله صلى الله عليه وسلم : " اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض بعد اليوم " وقوله : " " لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو على ظهر الأرض اليوم أحد " وقوله : " " وددنا أن موسى عليه السلام صبر فقص علينا من أمرهما " في أمثال ذلك ، يدل على موته دلالة لا تقبل ادعاء حياته بعدها إلا بأظهر منه . ولما كان قولهم { بل هو شاعر } [ الأنبياء : 5 ] مشيراً إلى أنهم قالوا نتربص به ريب المنون كما اتفق لغيره من الشعراء ، وكان ينبغي أن لا ينتظر أحد لآخر من الأذى إلا ما يتحقق سلامته هو منه ، توجه الإنكار عليهم والتسلية له بمنع شماتتهم في قوله : { أفائن } أي أيتمنون موتك فإن { مت فهم } أي خاصة { الخالدون * } فالمنكر تقدير خلودهم على تقدير موته الموجب لإنكار تمنيهم لموته ، فحق الهمزة دخولها على الجزاء ، وهو فهم ، وإنما قارنت الشرط لأن الاستفهام له الصدر . ولما تم ذلك ، أنتج قطعاً : { كل نفس } أي منكم ومن غيركم { ذائقة الموت } أي فلا يفرح أحد ولا يحزن بموت أحد ، بل يشتغل بما يهمه ، وإليه الإشارة بقوله : { ونبلوكم } أي نعاملكم معاملة المبتلي المختبر المظهر في عالم الشهادة الشاكر والصابر والمؤمن والكافر كما هو عندنا في علام الغيب بأن نخالطكم { بالشر } الذي هو طبع النفوس ، فهي أسرع شيء إليه ، فلا ينجو منه إلا من أخلصناه لنا { والخير } مخالطة كبيرة ، وأكد البلاء بمصدر من معناه مقرون بالهاء تعظيماً له فقال : { فتنة } أي كما يفتن الذهب إذا أريدت تصفيته بمخالطة النار له ، على حالة عظيمة محيلة مميلة لكم لا يثبت لها إلا الموفق { وإلينا } أي بعد الموت لا إلى غيرنا { ترجعون * } للجزاء حيث لا حكم لأحد أصلاً لا ظاهراً ولا باطناً كما هذه الدار بنفوذ الحكم فلا يكون إلا ما نريد فاشتغلوا بما ينجيكم منا ، ولا تلتفتوا إلى غيره ، فإن الأمر صعب ، وجدوا فإن الحال جد .