Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 36-40)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما أخبر سبحانه عن إعراضهم عن الساعة تكذيباً ، واستدل على كونها منزهة عن الغيب في خلق هذا العالم وتعاليه عن جميع صفات النقص واتصافه بأوصاف الكمال إلى أن ختم ذلك بمثل ما ابتدأ به على وجه أصرح ، وكان فيه تنبيههم على الابتلاء وكان الابتلاء على قدر النعم ، فكان صلى الله عليه وسلم أعظم شيء ابتلوا به لأنه لا نعمة أعظم من النعمة به ، ولا شيء أظهر من آياته عطف على قوله " وأسروا النجوى " قوله : { وإذا رءاك } أي وأنت أشرف الخلق وكلك جد وجلال وعظمة وكمال { الذين كفروا } فأظهر منبهاً على أن ظلمهم الذي أوجب لهم ذلك هو الكفر وإن كان في أدنى رتبة ، تبشيعاً له وتنبيهاً على أنه يطمس الفكر مطلقاً . ولما كان من المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم في غاية البعد عن الهزء ، قال منبهاً على أنهم أعرقوا في الكفر حتى بلغوا الذروة : { إن } أي ما { يتخذونك } أي حال الرؤية ، وسيعلم من يبقى منهم عما قليل أنك جد كلك { إلا هزواً } أي جعلوك بحمل أنفسهم على ضد ما يعتقد عين ما ليس فيك شيء منه ؛ ثم بين استزاءهم به بأنهم يقولون إنكاراً واستصغاراً : { أهذ الذي يذكر } أي بالسوء { ءالهتكم } قال أبو حيان : والذكر يكون بالخير والشر ، فإذا لم يذكر متعلقه فالقرينة تدل عليه - انتهى . فإذا دلت القرينة على أحدهما أطلق عليه { وهم } أي والحال أنهم على حال كانوا بها أصلاً في الهزء ، وهي أنهم { بذكر الرحمن } الذي لا نعمة عليهم ولا على غيرهم إلا منه ، وكرر الضمير تعظيماً بما أتوا به من القباحة فقال : { هم } أي بظواهرهم وبواطنهم { كافرون } أي ساترون لمعرفتهم به ، فلا أعجب ممن هو محل للهزء لكونه أنكر ذكر من لا نعمة منه ولا نقمة أصلاً بالسوء ، وهو يذكر من كل نعمة منه بالسوء ويهزأ به . ولما كان من آيات الأولين التي طلبوها العذاب بأنواع الهول ، وكانوا هم أيضاً قد طلبوا ذلك واستعجلوا به { عجل لنا قطنا } [ ص : 26 ] ونحو ذلك ، وكان الذي جرأهم على هذا حلم الله عنهم بإمهاله لهم ، قال معللاً لذلك : { خلق } وبناه للمفعول لأن المقصود بيان ما جبل عليه والخالق معروف { الإنسان } أي هذا النوع . ولما كان مطبوعاً على العجلة قال : { من عجل } فلذا يكفر ، لأنه إذا خولف بادر إلى الانتقام عند القدرة فظن بجهله أن خالقه كذلك ، وأن التأخير ما هو إلا عن عجز أو عن رضى ؛ ثم قال تعالى مهدداً للمكذبين : { سأوريكم } حقاً { ءاياتي } القاصمة والعاصمة ، بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم ومن عندكم من أتباعه المستضعفين وخلافتهم بين أيديكم وجعلهم شجاً في حلوقكم حتى يتلاشى ما أنتم عليه وغيره ذلك من العظائم { فلا تستعجلون * } أي تطلبوا أن أوجد العجلة بالعذاب أو غيره ، فإني منزه عن العجلة التي هي من جملة نقائصكم . ولما ذم العجلة وهي إرادة الشيء قبل أوانه ، ونهى عنها ، قال دالاً عليها عاطفاً على عامل { هذا } : { ويقولون } أي في استهزائهم بأولياء الله : { متى هذا } وتهكموا بقولهم : { الوعد } أي بإتيان الآيات من الساعة ومقدماتها وغيرها ، وزادوا في الإلهاب والتهييج تكذيباً فقالوا : { إن كنتم صادقين * } أي عريقين في هذا الوصف جداً - بما دل عليه الوصف وفعل الكون . ولما غلوا في الاستهزاء فكانوا أجهل الجهلة باستحالة الممكن ، استأنف الجواب عن كلامهم بنفي العلم عنهم في الحال والمآل دون المعاينة على طريق التهكم والاستهزاء بهم : { لو يعلم الذين كفروا } وذكر المفعول به فقال : { حين } أي لو تجدد لهم علم ما بالوقت الذي يستعجلون به ؛ وذكر ما أضيف إليه ذلك الوقت فقال : { لا يكفون } أي فيه بأنفسهم { عن وجوههم } التي هي أشرف أعضائهم { النار } استسلاماً وضعفاً وعجزاً { ولا عن ظهورهم } التي هي أشد أجسادهم ، فعرف من هذا أنها قد أحاطت بهم وأنهم لا يكفون عن غير هذين من باب الأولى { ولا هم ينصرون * } أي ولا يتجدد لهم نصر ظاهراً ولا باطناً بأنفسهم ولا بغيرهم ، لم يقولوا شيئاً من ذلك الكفر والاستهزاء والاستعجال ، ولكنهم لا يعلمون ذلك بنوع من أنواع العلم إلا عند الوقوع لأنه لا أمارة لها قاطعة بتعيين وقتها ولا تأتي بالتدريج كغيرها ، وهذا معنى { بل تأتيهم } أي الساعة التي هي ظرف لجميع تلك الأحوال وهي معلومة لكل أحد فهي مستحضرة في كل ذهن { بغتة فتبهتهم } أي تدعهم باهتين حائرين ؛ ثم سبب عن بهتهم قوله : { فلا يستطيعون ردها } أي لا يطلبون طوع ذلك لهم في ذلك الوقت ليأسهم عنه { ولا هم ينظرون * } أي يمهلون من ممهل ما ليتداركوا ما أعد لهم فيها ، فيا شدة أسفهم على التفريط في الأوقات التي أمهلوا فيها في هذه الدار ، وصرفهم إياها في لذات أكثرها أكدار .