Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 45-50)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما تبين الخلف في قولهم على كثرته وادعائهم الحكمة والبلاغة ، وفعلهم على كثرتهم وزعمهم القوة والشجاعة ، ثبت أن أقواله الناقضة لذلك من عند الله بما ثبت من استقامة معانيها وإحكامها ، بعدما اتضح من إعجاز نظومها وحسن التئامها ، فأمره أن يبين لهم ذلك بقوله : { قل إنما أنذركم } أيها الكفار { بالوحي } أي الآتي به الملك عن الله فلا قدح في شيء من نظمه ولا معناه والحال أنكم لا تسمعون - على قراءة الجماعة والحال أنك لا تسمعهم - على قراءة ابن عامر بضم الفوقانية وكسر الميم ونصب الصم خاصة ، ولكنهم لما كانوا لا ينتفعون بإنذاره لتصامّهم وجعلهم أصابعهم في آذانهم وقت الإنذار عدهم صماً ، وأظهر الوصف لتعليق الحكم به فقال : { ولا يسمع الصم الدعاء } أي ممن يدعوهم ، أو يكون معطوفاً على ما تقديره : فإن كانت أسماعكم صحيحة سمعتم فأجبتم ، ونبه بقوله : { إذا ما ينذرون * } على أن المانع لهم مع الصمم كراهة الإنذار ، وبالبناء للمفعول على منذر . ولما كان المنذر لا يترك الاستعداد لما ينذر به من العذاب إلا إذا كان قوياً على دفعه . بيّن أنهم على غير ذلك فقال : { ولئن } أي لا يسمعون والحال أنه لا قوة بهم ، بل إن { مستهم } أي لاقتهم أدنى ملاقاة { نفحة } أي رائحة يسيرة مرة من المرات { من عذاب ربك } المحسن إليك بنصرك عليهم { ليقولن } وقد أذهلهم أمرها عن نخوتهم . وشغلهم قدرها عن كبرهم وحميتهم : { يا ويلنا } الذي لا نرى الآن بحضرتنا غيره { إنا كنا } أي بما لنا مما هو في ثباته كالجبلات { ظالمين * } أي عريقين في الظلم في إعراضنا وتصامّنا ترفقاً وتذللاً لعله يكف عنهم . ولما بيّن ما افتتحت السورة من اقتراب الساعة بالقدرة عليه واقتضاء الحكمة له ، وأن كل أحد ميت لا يستطيع شيئاً من الدفع عن نفسه فضلاً عن غيره ، وختمت الآيات بإقرار الظالم بظلمه ، وكانت عادة كثير من الناس الجور عند القدرة ، بين أنه سبحانه بخلاف ذلك فذكر بعض ما يفعل في حساب الساعة من العدل فقال عاطفاً على قوله { بل تأتيهم بغتة } : { ونضع } فأبرزه في مظهر العظمة إشارة إلى هوانه عنده وإن كان لكثرة الخلائق وأعمال كل منهم متعذراً عندنا { الموازين } المتعددة لتعدد الموزونات أو أنواعها . ولما كانت الموازين آلة العدل ، وصفها به مبالغة فقال { القسط } أي العدل المميز للأقسام على السوية . ولما كان الجزاء علة في وضع المقادير ، عبر باللام ليشمل - مع ما يوضع فيه - ما وضع الآن لأجل الدنيوية فيه فقال : { ليوم القيامة } الذي أنتم عنه - لإعراضكم عن الذكر - غافلون . ولما جرت العادة بأن الملك قد يكون عادلاً فظلم بعض أتباعه ، بين أن عظمته في إحاطة علمه وقدرته تأبى ذلك ، فبنى الفعل للمجهول فقال : { فلا } أي فتسبب عن هذا الوضع أنه لا { تظلم } أي من ظالم ما { نفس شيئاً } من عملها { وإن كان } أي العمل { مثقال حبة } هذا على قراءة الجماعة بالنصب . والتقدير على قراءة نافع بالرفع : وإن وقع أو وجد { من خردل } أو أحقر منه ، وإنما مثل به لأنه غاية عندنا في القلة ، وزاد في تحقيره بضمير التأنيث لإضافته إلى المؤنث فقال : { أتينا بها } بما لنا من العظمة في العلم والقدرة وجميع صفات الكمال فحاسبناه عليها ، والميزان الحقيقي . ووزن الأعمال على صفة يصح وزنها معها بقدرة من لا يعجزه شيء . ولما كان حساب الخلائق كلهم على ما صدر منهم أمراً باهراً للعقل ، حقره عند عظمته فقال : { وكفى بنا } أي بما لنا من العظمة { حاسبين * } أي لا يكون في الحساب أحد مثلنا ، ففيه توعد من جهة أن معناه أنه لا يروج عليه شيء من خداع ولا يقبل غلطاً ، ولا يضل ولا ينسى ، إلى غير ذلك من كل ما يلزم منه نوع لبس أو شوب نقص ، ووعد من جهة أنه لا يطلع على كل حسن فقيد وإن دق وخفي . ولما قدم في قوله { ما يأتيهم من ذكر من ربهم } - الآية وغيره أنهم أعرضوا عن هذا الذكر تعللاً بأشياء منها طلب آيات الأولين ، ونبه على إفراطهم في الجهل بما ردوا من الشرف بقوله { لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم } ومر إلى أن ختم بالتهديد بعذابه ، وأنه يحكم بالقسط ، وكان كتاب موسى عليه السلام بعد القرآن أعظم الكتب السماوية ، وكان أهل الكتاب قد أعرضوا عنه غير مرة على زمن موسى عليه السلام بعبادة العجل وغيره وبعد موته مع كون المرسل ، به اثنان تعاضدا على إبلاغه وتقرير أحكامه بعد أن بهرا العقول بما أتيا به من الآيات التي منها - كما بين في سورة البقرة والأعراف - التصرف في العناصر الأربعة التي هي أصل الحيوان الذي بدأ الله منها خلقه . ومقصود السورة الدلالة على إعادته ، ومنها ما عذب به من أعرض عن ذكر موسى وهارون عليهما السلام الذي هو ميزان العدل لما نشر من الضياء المورث للتبصرة الماحقة للظلام ، فلا يقع متبعه في ظلم ، وكان الحساب تفصيل الأمور ومقابلة كل منها بما يليق به ، وذلك بعينه هو الفرقان ، قال سبحانه بعد آية الحساب عاطفاً على " لقد أنزلنا " : { ولقد ءاتينا } أي بما لنا من العظمة { موسى وهارون } أي أخاه الذي سأل أن يشد أزره به { الفرقان } الذي تعاضدا على إبلاغه والإلزام بما دعا إليه حال لكونه مبيناً لسعادة الدارين ، لا يدع لبساً في أمر من الأمور { وضياء } لا ظلام معه ، فلا ظلم للمستبصر به ، لأن من شأن من كان في الضياء أن لا يضع شيئاً إلا في موضعه { وذكراً } أي وعظاً وشرفاً . ولما كان من لا ينتفع بالشيء لا يكون له منه شيء ، قال : { للمتقين * } أي الذين صار هذا الوصف لهم شعاراً حاملاً لهم على التذكير لما يدعو إليه الكتاب من التوحيد الذي هو أصل المراقبة ؛ ثم بين التقوى بوصفهم بقوله : { الذين يخشون } أي يخافون خوفاً عظيماً { ربهم } أي المحسن إليهم بعد الإيجاد بالتربية وأنواع الإحسان { بالغيب } أي في أن يكشف لهم الحجاب { وهم من الساعة } التي نضع فيها الموازين وقد أعرض عنها الجاهلون مع كونها أعظم حامل على كل خير ، مبعد من كل ضير { مشفقون * } لأنهم لقيامها متحققون ، وبنصب الموازين فيها عالمون . ولما ذكر فرقان موسى عليه السلام ، وكان العرب يشاهدون إظهار اليهود للتمسك به والمقاتلة على ذلك والاغتباط ، حثهم على كتابهم الذي هو أشرف منه فقال : { وهذا } فأشار إليه بأداة القرب إيماء إلى سهولة تناوله عليهم { ذكر } أي عظيم ، ودلهم على أنه أثبت الكتب وأكثرها فوائد بقوله : { مبارك } ودلهم على زيادة عظمته بما له من قرب الفهم والإعجاز وغيره بقوله : { أنزلناه } ثم أنكر عليهم رد ووبخهم في سياق دال على أنهم أقل من أن يجترئوا على ذلك ، منبه على أنهم أولى بالمجاهدة في هذا الكتاب من أهل الكتاب في كتابهم فقال : { أفأنتم له } أي لتكونوا دون أهل الكتاب برد ما أنزل لتشريفكم عليهم وعلى غيرهم مع أنكم لا تنكرون كتابهم { منكرون * } أي أنه لو أنكره غيركم لكان ينبغي لكم مناصبته ، فكيف يكون الإنكار منكم ؟