Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 41-44)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان التقدير حاق بهم هذا باستهزائهم بك ، تبعه ما يدل على أن الرسل في ذلك شرع واحد ، تسلية له صلى الله عليه وسلم وتأسية ، فقال عاطفاً على { وإذا رءاك } : { ولقد } مؤكداً له لمزيد التسلية بمساواة إخوانه من الرسل وبتعذيب أعدائه . ولما كان المخوف نفس الاستهزاء لا كونه من معين ، بني للمفعول قوله : { استهزئ برسل } أي كثيرين . ولما كان معنى التنكير عدم الاستغراق ، أكده بالخافض فقال : { من قبلك فحاق } أي فأحاط { بالذين سخروا منهم } لكفرهم { ما كانوا } بما هو لهم كالجبلة { به يستهزءون * } من الوعود الصادقة كبعض من سألوه الإتيان بمثل آياتهم كقوم نوح ومن بعدهم . ولما هددهم بما مضى مما قام الدليل على قدرته عليه ، وختمه - لوقوفهم مع المحسوسات - بما وقع لمن قبلهم ، وكان الأمان عن مثل ذلك لا يكون إلا بشيء يوثق به ، أمره أن يسألهم عن ذلك بقوله : { قل من يكلؤكم } أي يحفظكم ويؤخركم ويكثر رزقكم ، وهو استفهام توبيخ . ولما استوى بالنسبة إلى قدرته حذرهم وغفلتهم ، قال : { بالّيل } أي وأنتم نائمون . ولما كانت مدافعة عذابه سبحانه غير ممكنة لنائم ولا يقظان قال : { والنهار } أي وأنتم مستيقظون . ولما كان لا منعم بكلاية ولا غيرها سواه سبحانه ، ذكرهم بذلك بصفة الرحمة فقال : { من الرحمن } الذي لا نعمة بحراسة ولا غيرها إلا منه حتى أمنتم مكره ولو بقطع إحسانه ، فكيف إذا ضربتم بسوط جبروته وسطوة قهرة وعظموته . ولما كان الجواب قطعاً : ليس لهم من يكلؤهم منه وهو معنى الاستفهام الإنكاري ، قال مضرباً عنه : { بل هم } أي في أمنهم من سطواته { عن ذكر ربهم } الذي لا يحسن إليهم غيره { معرضون * } فهم لا يذكرون أصلاً فضلاً عن أن يخشوا بأسه وهم يدعون أنهم أشكر الناس للإحسان . ولما أرشد السياق إلى أن التقدير : أصحيح هذا الذي أشرنا إليه من أنه لا مانع لهم منا ، عادله بقوله إنكاراً عليهم : { أم لهم ءالهة } موصوفة بأنها { تمنعهم } نوبَ الدهر . ولما كانت جميع الرتب تحت رتبته سبحانه ، أثبت حرف الابتداء فقال محقراً لهم : { من دوننا } أي من مكروه هو تحت إرادتنا ومن جهة غير جهتنا . ولما كان الجواب قطعاً : ليس لهم ذلك ، وهو بمعنى الاستفهام ، استأنف الإخبار بما يؤيد هذا الجواب ، ويجوز أن يكون تعليلاً ، فقال : { لا يستطيعون } أي الآلهة التي يزعمون أنها تنفعهم ، أو هم - لأنهم لا مانع لهم من دوننا - { نصر أنفسهم } من دون إرادتنا فكيف بغيرهم ، أو يكون ذلك صفة الآلهة على طريق التهكم { ولا هم } أي الكفار أو الآلهة { منا } أي بما لنا من العظمة { يصحبون * } بوجه من وجوه الصحبة حتى يصير لهم استطاعة بنا ، فانسدت عليهم أبواب الاستطاعة أصلاً ورأساً . ولما لم يصلح هذا لأن يكون سبباً لاجترائهم ، أضرب عنه قائلاً في مظهر العظمة ، إشارة إلى أن اغترارهم به سبحانه - مع ما له من دلائل الجلال - من أعجب العجب ، بانياً على نحو " لا كالىء لهم منه ولا مانع " : { بل متعنا } أي بعظمتنا { هؤلاء } أي الكفار على حقارتهم ، أو الإضراب عن عدم استطاعتهم للنصر ، والمعنى أن ما هم فيه من الحفظ إنما هو منا لأجل تمتيعهم بما لا يتغير به إلا مغرور ، لا من مانع يمنعهم { وءاباءهم } من قبلهم بالنصر وغيره { حتى طال عليهم العمر } فكان طول سلامتهم غاراً لهم بنا ، فظنوا أنه لا يغلبهم على ذلك التمتيع شيء ، ولا ينزع عنهم ثوب النعمة . ولما أقام الأدلة ونصب الحجج على أنه لا مانع لهم من الله ، تسبب عن ذلك الإنكار عليهم في اعتقاد غيره فقال : { أفلا يرون } أي يعلمون علماً هو في وضوحه مثل الرؤية بالبصر { أنا } بما لنا من العظمة ، وصور ما كان يجريه من عظمته على أيدي أوليائه فقال : { نأتي الأرض } أي التي أهلها كفار ، إتيانَ غلبة لهم بتسليط أوليائنا عليهم . ولما كان الإتيان على ضروب شتى ، بيّنه بقوله : { ننقصها من أطرافها } بقتل بعضهم وردّ من بقي عن دينه إلى الإسلام ، فهم في نقص ، وأولياؤنا في زيادة . ولما كانت مشاهدتهم لهذا مرة بعد مرة قاضية بأنهم المغلبون ، تسبب عنه إنكار غير ذلك فقال : { أفهم } أي خاصة { الغالبون * } أي مع مشاهدتهم لذلك أم أولياؤنا .