Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 15-17)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما أتم الدليل على خسران هذا المنقلب وربح الثابت ، وكان هذا مفهماً لأن من رجاه لما وعد به بادر الإقبال عليه ولم ينفع إلا نفسه ، ومن لا يرج ذلك أعرض عن الله سبحانه منقلباً على جهه فلم يضر إلا نفسه ، ترجم عن حال هذا الثاني العابد على حرف بقوله : { من كان يظن } أي ممن أصابته فتنة { أن لن ينصره الله } ذو الجلال والإكرام في حال من أحواله { في الدنيا والآخرة } فأعرض عنه انقلاباً على وجهه فإنه لا يضر إلا نفسه وإن ظن أنه لا يضرها { فليمدد بسبب } أي حبل أو شيء من الأشياء الموصلة له { إلى السماء } التي يريدها من سقف أو سحاب أو غيرهما . ولما كان مده ذلك متعسراً أو متعذراً ، عبر عما يتفرع عليه بأداة التراخي فقال : { ثم ليقطع } أي ليوجد منه وصل وقطع ، أي ليبذل جهده في دفع القضاء والقدر عنه ، وهي لام أمر عند من حركها بالكسر إفهاماً لشدة الحركة في المزاولة للذهاب إلى السفل الدال على عدم العقل ، وهم أبو عمرو وابن عامر وورش عن نافع ورويس عن يعقوب ، أو أسكنها وهم الباقون { فلينظر } ببصره وبصيرته { هل يذهبن } وإن اجتهد { كيده ما يغيظ * } أي شيئاً يحصل له منه غيظ ، أو يكون المعنى : فليفعل ما يفعله من بلغ منه الغيظ بأن يربط حبلاً بسقف بيته ثم ليربطه في عنقه ثم ليقطع ما بين رجليه وبين الأرض ليختنق ، وهذا كما يقال لمن أدبر عنه أمر فجزع : اضرب برأسك الجدار إن لم ترض هذا ، مت غيظاً - ونحو ذلك ، والحاصل أنه إن لم يصبر على المصائب لله طوعاً صبر عليها كرهاً مع ما ناله من أسباب الشقاء . ولما بين سبحانه هذه الآيات المرئية ، في هذه الأساليب العلية ، هذا البيان الشافي الهادي بإعجاز حكمه ، بين أنه معجز أيضاً بنظمه ، فقال : { وكذلك } أي ومثل ما بينا هذه الآيات المرئية التي أنزلنا كلامنا لبيان حكمها وإظهار أسرارها { أنزلناه } أي الكلام كله بما لنا من العظمة الباهرة { آيات بينات } معجزاً نظمها ، كما كان معجزاً حكمها . ولما كان الكلام بيناً في أن التقدير : ليعلم إذا ضل ضال مع هذا البيان أن الله يضل من يريد ، عطف عليه قوله : { وأن } أي وليعلم أن { الله } أي الموصوف بالإكرام ، كما هو موصوف بالانتقام { يهدي } أي بآياته { من يريد * } أي لتبين قدرته واختياره إزاحة لغم من يقول : إذا كانت الآيات المرئية والمسموعة في هذا الحد من البيان فما لأكثر الناس على ضلالهم يتخلف فيهم المسببات عن أسبابها . ولما كان ذلك موجباً للسؤال ، عن حال الفريقين : المهدي والضال ، أجاب عن ذلك ببيان جميع فرق الضلال ، لأن لهذه السورة أتم نظر إلى يوم الجمع الذي هو مقصود السورة التي قبلها ، فقصد إلى استيعاب الفرق تصويراً لذلك اليوم بأليق صورة ، وقرن بكل من فريقي أهل الكتاب موافقة في معناه فقال : { إن الذين ءامنوا } أي من أيّ فرقة كانوا ، وعبر بالفعل ليشمل الإقرار باللسان ، الذي هو أدنى وجوه الإيمان { والذين هادوا } أي انتحلوا اليهودية ، على أيّ حال كانوا من إيمان أو كفران . ولما كان اليهود عبدوا الأصنام متقربين بها إلى النجوم كما مضى في المائدة ، أتبعهم من شابهوه فقال : { والصابئين } ثم تلا بثاني فريقي أهل الكتاب فقال : { والنصارى } ثم أتبعهم من أشبهه بعض فرقهم في قولهم بإلهين اثنين فقال : { والمجوس } وهم عبدة النار ؛ ثم ختم بأعم الكل في الضلال كما فتح بأعمهم في الهدى فقال : { والذين أشركوا } لشموله كل شرك حتى الأصغر من الربا وغيره { إن الله } أي الملك الأعظم الذي له الملك كله وهو أحكم الحاكمين { يفصل بينهم يوم القيامة } فيجازي كلاًَّ بعمله على ما يقتضيه في مجاري عاداتكم ، ويقتص لبعضهم من بعض ، ويميز الخبيث منهم من الطيب ؛ ثم علل ذلك بقوله : { إن الله } أي الجامع لجميع صفات الكمال { على كل شيء } من الأشياء كلها { شهيد * } فلا شيء إلا وهو به عليم ، فهو لذلك على كل شيء قدير ، كما مضى بيانه في { وسع كل شيء علماً } [ طه : 98 ] في طه ، وقال الحرالي في شرح الأسماء الحسنى : الشهادة رؤية خبرة بطية الشيء ودخلته ممن له غنى في أمره ، فلا شهادة إلا بخبرة وغنى ممن له اعتدال في نفسه بأن لا يحيف على غيره ، فيكون ميزان عدل بينه وبين غيره ، فيحق له أن يكون ميزاناً بين كل متداعيين ممن يحيط بخبرة أمرهما { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً } [ البقرة : 143 ] وبحسب إحاطة علم الشهيد ترهب شهادته ، ولذلك أرهب شهادة شهادة الله على خلقه { قل أي شيء أكبر شهادة قل الله } [ الأنعام : 19 ] ولما كان أيّما الإحاطة والخبرة والرقبة لله كان بالحقيقة لا شهيد إلا هو - انتهى .