Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 18-22)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان جميع ما تقدم في هذه السورة دالاً على أنه على كل شيء قدير ، وأنه يفعل ما يريد ، وختم ذلك بأنه بكل شيء عليم لم يغب ولا يغيب شيء عنه ، فاقتضى ذلك قيوميته ، وكان بحيث يستعظم لكثرة الخلائق فكيف بأحوالهم ، قرر ذلك في جواب من كأنه سأل فهي في معنى العلة ، فقال : { ألم تر أن الله } أي الحائز لجميع الكمال المبرأ عن كل نقص { يسجد له } أي يخضع منقاداً لأمره مسخراً لما يريد منه تسخير من هو في غاية الاجتهاد في العبادة والإخلاص فيها { من في السماوات } . ولما كان في السياق مقتضياً للإبلاغ في صفة القيومية بشهادة ذكر الفصل بين جميع الفرق ، أكد بإعادة الموصول فقال : { ومن في الأرض } إن أخلت غير العاقل فبالتغليب ، وإن خصصت فبالعاقل أفهم خضوع غيره من باب الأولى . ولما ذكر ما يعم العاقل وغيره ، أتبعه بأشرف ما ذكر مما لا يعقل لأن كلاًّ منهما عبد من دون الله أو عبد شيء منه فقال : { والشمس والقمر والنجوم } من الأجرام العلوية فعبد الشمس حمير ، والقمر كنانة ، والدبران تميم ، والشعرى لخم ، والثريا طيىء وعطارداً أسداً ، والمرزم ربيعة - قاله أبو حيان . ثم أتبع ذلك أعلام الذوات السفلية فقال : { والجبال } أي التي تنحت منها الأصنام { والشجر } التي عبد بعضها { والدواب } التي عبد منها البقر ، كل هذه الأشياء تنقاد لأمر الله ، ومن المعلوم لكون هذه لا تعقل - أن أمره لها هو مراده منها . ولما كان العقلاء من المكلفين قد دخلوا في قوله { ومن في الأرض } دخولاً أولياً ، وكان السجود الممدوحون عليه إنما هو الموافق للأمر ، لا الموافق للإرادة المجردة عن الأمر ، قال دالاً على إرادته هنا بتكريرهم وتقسيمهم بعد إدخالهم في السجود الإدارة وتعميمهم : { وكثير من الناس } أي يسجد سجوداً هو منه عبادة شرعية فحق له الثواب { وكثير } أي منهم { حق عليه العذاب } بقيام الحجة عليه بكون لم يسجد ، فجحد الأمر الذي من جحده كان كافراً وإن كان ساجداً عابداً بالمعنى اللغوي الذي هو الجري مع المراد ، وعلى القول بأن هذا في تقدير عامل من لفظ الأول بغير معناه هو قريب من الاستخدام الذي يعلو فيه ضمير على لفظ مراد منه معنى آخر ، والآية من الاحتباك : إثبات السجود في الأول دليل على انتفائه في الثاني ، وذكر العذاب في الثاني دليل على حذف الثواب في الأول . ولما علم بهذا أن الكل جارون مع الإرادة منقادون أتم انقياد تحت طوع المشيئة ، وأنه إنما جعل الأمر والنهي للمكلفين سبباً لإسعاد السعيد منهم وإشقاء الشقي ، لإقامة الحجة عليهم على ما يتعارفونه من أحوالهم فيما بينهم ، كان المعنى : فمن يكرم الله بتوفيقه لا متثال أمره فما له من مهين ، فعطف عليه : { ومن يهن الله } أي الذي له الأمر كله بمنابذة أمره { فما له من مكرم } لأنه لا قدرة لغيره أصلاً ، ولعله إنما ذكره وطوى الأول لأن السياق لإظهار القدرة ، وإظهارها في الإهانة أتم ، مع أن أصل السياق للتهديد ؛ ثم علل أن الفعل له لا لغيره بقوله : { إن الله } أي الملك الأعظم { يفعل ما يشاء * } أي كله ، فلو جاز أن يمانعه غيره ولو في لحظة لم يكن فاعلاً لما يشاء ، فصح أنه لا فعل لغيره ، قال ابن كثير : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن شيبان الرملي نا القداح عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله عنه أنه قيل له : إن ههنا رجلاً يتكلم في المشيئة ، فقال له علي : يا عبد الله خلقك الله كما شاء أو كما شئت ؟ قال : بل كما شاء ، قال : فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت ؟ قال : بل إذا شاء ، قال : فيشفيك إذا شاء أو إذا شئت ؟ قال : بل إذا شاء ، قال : فيدخلك حيث شئت أو حيث يشاء ؟ قال : بل حيث يشاء ، قال : والله لو قلت غير ذلك لضربت الذي فيه عيناك بالسيف ، وقد مر في سورة يوسف عند { إن الحكم إلا لله عليه توكلت } [ يوسف : 67 ] ما ينفع هنا . ولما قسم الناس إلى مخالف ومؤالف ، أتبعه جزاءهم بما يرغب المؤالف ويرهب المخالف على وجه موجب للأمر بالمعروف الذي من جملته الجهاد لوجهه خالصاً فقال : { هذان } أي الساجد والجاحد من جميع الفرق { خصمان } لا يمكن منهما المسالمة الكاملة إذ كل منهما في طرف . ولما أشار بالتثنية إلى كل فرقة منهم صارت - مع كثرتها وانتشارها باتحاد الكلمة في العقيدة - كالجسد الواحد ، صرح بكثرتهم بالتعبير بالجمع فقال : { اختصموا } أي أوقعوا الخصومة بغاية الجهد ، ولما كانت الفرق المذكورة كلها مثبتة وقد جحد أكثرهم النعمة ، قال : { في ربهم } أي الذي هم بإحسانه إليهم معترفون ، لم يختصموا بسبب غيره أصلاً ، وحمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله وعبيدة بن الحارث وعلي بن أبي طالب - الذين هم أول من برز للمخاصمة بحضرة رسول الله - صلى الله عليه ورضي عنهم - للكفرة من بني عمهم : عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة ، في غزوة بدر - أولى الناس بهذه الآية لما روي في الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه " أنه كان يقسم أنها نزلت فيهم ، ولذلك قال رضي الله عنه : أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن عز وجل يوم القيامة للخصومة " أخرجه البخاري في صحيحه ، ولعله رضي الله عنه أول الثلاثة ، قام لمنابذتهم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان أشبّهم . ولما ذكر خصومتهم وشرطها ، ذكر جزاءهم عليها في فصل الأمر الذي قدم ذكره ، وبدأ بالترهيب لأن الإنسان إليه أحوج فقال : { فالذين كفروا } منابذين لأمر ربهم { قطعت } تقطيعاً لا يعلم كثرته إلا الله ، بأيسر أمر ممن لا أمر لغيره { لهم } الآن وهيئت وإن وافقوا مراد ربهم بمخالفتهم أمره { ثياب من نار } تحيط بهم وهي على مقاديرهم سابغة عليهم كما كانوا يسلبون الثياب في الدنيا تعاظماً وتكبراً حال كونهم { يصب } إذا دخلوها { من فوق رؤوسهم الحميم * } أي الماء الحار حرارة لا يدري مقدارها إلا بالذوق - أعاذنا الله منه ، واستأنف الإخبار عنه بقوله : { يصهر } أي يذاب ، وأصله المخالطة الشديدة { به } من شدة حرارته { ما في بطونهم } من شحم وغيره { والجلود * } فيكون أثره في البطن والظاهر سواء { ولهم مقامع } جمع مقمعة بكسر ثم فتح ، وهي عمود حديد يضرب به الرأس والوجه ليرد المضروب عن مراده رداً عنيفاً ، ثم نفى المجاز بقوله : { من حديد * } أي يقمعون بها { كلما أرادوا } أي كلهم فالبعض بطريق الأولى { أن يخرجوا منها } أي من تلك الثياب أو من النار . ولما كان السياق لخصومة أولياء الله المتصفين بما هو مقصود السورة من التقوى للكفار ، المنابذين لها بكل اعتبار ، اقتضى ذلك بشارة للأولياء ونذارة للأعداء - قوله زيادة على ما في السجدة : { من غم } عظيم لا يعلم قدر عظمه إلا الله { أعيدوا } ، كل من { فيها } كأنهم يضربون بلهيب النار فيرفعهم حتى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بالمقامع فهووا فيها سبعين خريفاً - قاله الحسن ، أو أنهم يضطربون في تلك الثياب المقطعة من النار إلى أن يكادوا أن ينفصلوا منها وهم في النار ثم يردون كما كانوا ، وذلك أشد في العذاب ، مقولاً لهم : ارجعوا صاغرين مقاسين لغمومها { وذوقوا عذاب الحريق * } أي العذاب البالغ في الإحراق .