Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 53-59)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان من المعلوم قطعاً أن التقدير : فاتقى الأنبياء الله الذي أرسلهم وتجشموا حمل ما أرسلهم به من عظيم الثقل ، فدعوا العباد إليه وأرادوا جمعهم عليه ، عطف عليه بفاء السبب قوله معبراً بفعل التقطع لأنه يفيد التفرق : { فتقطعوا } أي الأمم ، وإنما أضمرهم لوضوح إرادتهم لأن الآية التي قبلها قد صرحت بأن الأنبياء ومن نجا معهم أمة واحدة لا اختلاف بينها ، فعلم قطعاً أن الضمير للأمم ومن نشأ بعدهم ، ولذلك كان النظر إلى الأمر الذي كان واحداً أهم ، فقدم قوله : { أمرهم } أي في الدين بعد أن كان مجتمعاً متصلاً { بينهم } فكانوا شيعاً ، وهو معنى { زبراً } أي قطعاً ، كل قطعة منها في غاية القوة والاجتماع والثبات على ما صارت إليه من الهوى والضلال ، بكل شيعة طريقة في الضلال عن الطريق الأمم ، والمقصد المستقيم ، وكتاب زبروه في أهويتهم ولم يرحموا أنفسهم بما دعتهم إليه الهداة من الاجتماع والألفة فأهلكوها بالبغضاء والفرقة ، وهو منصوب بأنه مفعول ثان لتقطع على ما مضى تخريجه في الأنبياء ، وقد ظهر كما ترى ظهوراً بيناً أن هذه إشارة إلى الناجين من أمة كل نبي بعد إهلاك أعدائهم ، أي إن هذه الجماعة الذين أنجيتهم معكم أمتكم ، حال كونهم أمة واحدة متفقين في الدين ، لا خلاف بينهم ، وكما أن جماعتكم واحدة فأنا ربكم لا رب لكم غيري فاتقون ولا يخالف أحد منكم أمري ولا تختلفوا وتفترقوا لئلا أعذب العاصي منكم كما عذبت أعداءكم . ولما كان هذا مما لا يرضاه عاقل ، أجيب من كأنه قال : هل رضوا بذلك مع انكشاف ضرره ؟ بقوله : { كل حزب } أي فرقة { بما لديهم } أي من ضلال وهدى { فرحون * } أي مسرورون فضلاً عن أنهم راضون غير معرج الضال منهم على ما جاءت به الرسل من الهدى ، ولا على الاعتبار بما اتفق لأممهم بسبب تكذيبهم من الردى . ولما أنتج هذا أن الضلال وإن وضح لا يكشفه إلا ذو الجلال ، سبب عنه سبحانه قوله تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم : { فذرهم } أي اتركهم على شر حالاتهم { في غمرتهم } أي الضلاله التي غرقوا فيها { حتى حين * } أي إلى وقت ضربناه لهم من قبل أن نخلقهم ونحن عالمون بكل ما يصدر منهم على أنه وقت يسير . ولما كان الموجب لغرورهم ظنهم أن حالهم - في بسط الأرزاق من الأموال والأولاد - حال الموعود لا المتوعد ، أنكر ذلك عليهم تنبيهاً لمن سبقت له السعادة ، وكتبت له الحسنى وزيادة ، فقال : { أيحسبون } أي لضعف عقولهم { أنما } أي الذين { نمدهم } على عظمتنا { به } أي نجعله مدداً لهم { من مال } نيسره لهم { وبنين * } نمتعهم بهم ، ثم أخبر عن " أن " بدليل قراءة السلمي بالياء التحتية فقال : { نسارع لهم } أي به بإدرارنا له عليهم في سرعة من يباري آخر { في الخيرات } التي لا خيرات إلا هي لأنها محمودة العاقبة ، ليس كذلك بل هو وبال عليهم لأنه استدراج إلى الهلاك لأنهم غير عاملين بما يرضي الرحمن { بل } هم يسارعون في أسباب الشرور ، ولا يكون عن السبب إلا مسببه ، ولكنهم كالبهائم { لا يشعرون * } أنهم في غاية البعد عن الخيرات { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } [ القلم : 44 ] . ولما ذكر أهل الافتراق ، أتبعهم أهل النفاق ، فكان كأنه قيل : فمن الذي يكون له الخيرات ؟ فأجيب بأنه الخائف من الله ، فقيل معبراً بما يناسب أول السورة من الأوصاف ، بادئاً بالخشية لأنها الحاملة على تجديد الإيمان : { إن الذين هم } أي ببواطنهم { من خشية ربهم } أي الخوف العظيم من المحسن إليهم المنعم عليهم { مشفقون * } أي دائمو الحذر { والذين هم بآيات ربهم } المسموعة والمرئية ، لا ما كان من جهة غيره { يؤمنون * } لا يزال إيمانهم بها يتجدد شكراً لإحسانه إليهم . ولما كان المؤمن قد يعرض له ما تقدم في إيمانه من شرك جلي أو خفي ، قال : { والذين هم بربهم } أي الذي لا محسن إليهم غيره وحده { لا يشركون * } أي شيئاً من شرك في وقت من الأوقات كما لم يشركه في إحسانه إليهم أحد .