Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 79-87)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما ذكرهم بهذه النعم التي هي دالة على خلقهم ، صرح به في قوله : { وهو } أي وحده { الذي ذرأكم } أي خلقكم وبثكم { في الأرض } ولما ذكرهم بإبدائهم المتضمن للقدرة على إعادتهم مع ما فيها من الحكمة وفي تركها من الإخلال بها ، صرح بها فقال : { وإليه } أي وحده { تحشرون * } يوم النشور . ولما تضمن ذلك إحياءهم وإماتتهم ، صرح به على وجه عام فقال : { وهو } أي وحده { الذي } من شأنه أنه { يحيي ويميت } فلا مانع له من البعث ولا غيره مما يريده . ولما كانت حقيقة البعث إيجاد الشيء كما هو بعد إعدامه ، ذكرهم بأمر طالما لا بسوه وعالجوه ومارسوه فقال : { وله } أي وحده ، لا لغيره { اختلاف الليل والنهار } أي التصرف فيهما على هذا الوجه ، يوجد كلاًّ منهما بعد أن أعدمه كما كان سواء ، فدل تعاقبهما على تغيرهما ، وتغيرهما بذلك وبالزيادة والنقص على أن لهما مغيراً لا يتغير وأنه لا فعل لهما وإنما الفعل له وحده ، وأنه قادر على إعادة المعدوم كما قدر على ابتدائه بما دل على قدرته وبهذا الدليل الشهودي للحامدين ، ولذلك ختمه بقوله منكراً تسبيبَ ذلك لعدم عقلهم : { أفلا تعقلون * } أي يكون لكم عقول لتعرفوا ذلك فتعملوا بما تقتضيه من اعتقاد البعث الذي يوجب سلوك الصراط . ولما كان معنى الاستفهام الإنكاري النفي ، حسن بعده كل الحسن قوله : { بل } وعدل إلى أسلوب الغيبة للإيذان بالغضب بقوله : { قالوا } أي هؤلاء العرب { مثل ما قال الأولون * } من قوم نوح ومن بعده ؛ ثم استأنف قوله : { قالوا } أي منكرين للبعث متعجبين من أمره : { أإذا متنا وكنا } أي بالبلى بعد الموت { تراباً وعظاماً } نخرة ، ثم أكدوا الإنكار بقولهم : { أإنا لمبعوثون * } أي من باعث ما . ولما كان محط العناية في هذه السورة الخلق والإيجاد ، والتهديد لأهل العناد ، حكى عنهم أنهم قالوا : { لقد وعدنا } مقدماً قولهم : { نحن وآباؤنا } على قولهم : { هذا } أي البعث { من قبل } بخلاف النمل ، فإن محط العناية فيها الإيمان بالآخرة فلذلك قدم قوله " هذا " ، والمراد وعد آبائهم على ألسنة من أتاهم من الرسل غير أن الإخبار بشموله جعله وعداً للكل على حد سواء ، ثم استأنفوا قولهم : { إن } أي ما { هذا إلا أساطير الأولين * } أي كذب لا حقيقة له ، لأن ذلك معنى الإنكار المؤكد . ولما أنكروا البعث هذا الإنكار المؤكد ، ونفوه هذا النفي المحتم ، أمره أن يقررهم بأشياء هم بها مقرون ، ولها عارفون ، يلزمهم من تسليمها الإقرار بالبعث قطعاً ، فقال : { قل } أي مجيباً لإنكارهم البعث ملزماً لهم : { لمن الأرض } أي على سعتها وكثرة عجائبها { ومن فيها } على كثرتهم واختلافهم { إن كنتم } أي بما هو كالجبلة لكم { تعلمون * } أي أهلاً للعلم ، وكأنه تنبيه لهم على أنهم أنكروا شيئاً لا ينكره عاقل . ولما كانوا مقرين بذلك ، أخبر عن جوابهم قبل جوابهم ، ليكون من دلائل النبوة وأعلام الرسالة بقوله استئنافاً : { سيقولون } أي قطعاً : ذلك كله { لله } أي المختص بصفات الكمال . ولما كان ذلك دالاً على الوحدانية والتفرد بتمام القدرة من وجهين : كون ذلك كله له ، وكونه يخبر عن عدوه بشيء فلا يمكنه التخلف عنه ، قال : { قل } أي لهم إذا قالوا لك ذلك منكراً عليهم تسبيبه لعدم تذكرهم ولو على أدنى الوجوه بما أشار إليه الإدغام : { أفلا تذكرون * } أي بذلك المركوز في طباعكم المقطوع به عندكم ، ما غفلتم عنه من تمام قدرته وباهر عظمته ، فتصدقوا ما أخبر به من البعث الذي هو دون ذلك ، وتعلموا أنه لا يصلح شيء منها - وهو ملكه - أن يكون شريكاً له ولا ولداً ، وتعلموا أنه لا يصح في الحكمة أصلاً أنه يترك البعث لأن أقلكم لا يرضى بترك حساب عبيده والعدل بينهم . ولما ذكرهم بالعالم السفلي لقربه ، تلاه بالعلوي لأنه أعظم فقال على ذلك المنوال مرقياً لهم إليه : { قل من رب } أي خالق ومدبر { السماوات السبع } كما تشاهدون من حركاتها وسير نجومها { ورب العرش العظيم * } الذي أنتم به معترفون { سيقولون لله } أي الذي له كل شيء هو رب ذلك - على قراءة البصريين ، والتقدير لغيرهما : ذلك كله لله ، لأن معنى من رب الشيء : لمن الشيء ، فتفيد اللام الملك صريحاً مع إفادة الرب التدبير . ولما تأكد الأمر وزاد الوضوح ، حسن التهديد على التمادي فقال : { قل } منكراً عليهم عدم تسبيبه لهم التقوى : { أفلا تتقون * } أي تجعلون بينكم وبين حلول السخط من هذا الواسع الملك التام القدرة وقاية بالمتاب من إنكار شيء يسير بالنسبة إلى هذا الملك العظيم هين عليه .