Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 88-92)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما قررهم بالعالمين : العلوي والسفلي ، أمره بأن يقررهم بما هو أعم منهما وأعظم ، فقال : { قل من بيده } أي خاصة { ملكوت كل شيء } أي من العالمين وغيرهما ، والملكوت الملك البليغ الذي لا نقص فيه بوجه ؛ قال ابن كثير : كانت العرب إذا كان السيد فيهم فأجار أحداً لا يخفر في جواره وليس لمن دونه أن يجيرعليه لئلا يفتات عليه . ولو أجار ما أفاد ، ولهذا قال الله تعالى : { وهو يجير } أي يمنع ويغيث من يشاء فيكون في حرزه ، لا يقدر أحد على الدنو من ساحتة { ولا يجار عليه } أي ولا يمكن أحداً أبداً أن يجير جواراً يكون مستعلياً عليه بأن يكون على غير مراده ، بل يأخذ من أراد وإن نصره جميع الخلائق ، ويعلي من أراد وإن تحاملت عليه كل المصائب ، فتبين كالشمس أنه لا شريك يمانعه ، ولا ولد يصانعه أو يضارعه ؛ وقال ابن كثير : وهو السيد المعظم الذي لا أعظم منه الذي له الخلق والأمر ، ولا معقب لحكمه الذي لا يمانع ولا يخالف ، وما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن . ولما كان هذا برهاناً مع أنه ظاهر لا يخفى على أحد ، قد يمجمج فيه من له غرض في اللدد ، ألهبهم إلى المبادرة إلى الاعتراف به وهيجهم بقوله : { إن كنتم } أي كوناً راسخاً { تعلمون * } أي في عداد من يعلم ، ولذلك استأنف قوله : { سيقولون لله } أي الذي بيده ذلك ، خاصاً به ، والتقدير لغير البصريين : ذلك كله لله ، لأن اليد أدل شيء على الملك . ولما كان جوابهم بذلك يقتضي إنكار توقفهم في الإقرار بالبعث ، استأنف قوله : { قل } منكراً عليهم تسبيب ذلك لهم ادعاء أنه سحر ، أو صرف عن الحق كما يصرف المسحور { فأنّى تسحرون * } أي فكيف بعد إقراركم بهذا كله تدعون أن الوعيد بالبعث سحر في قولكم : أفتأتون السحر وأنتم تبصرون ، ومن أين صار لكم هذا الاعتقاد وقد أقررتم بما يلزم منه شمول العلم وتمام القدرة ؟ ومن أين تتخيلون الحق باطلاً ، أو كيف تفعلون فعل المسحور بما تأتون به من التخطيط في الأقوال والأفعال ، وتخدعون وتصرفون عن كل ما دعا إليه ؟ ولما كان الإنكار بمعنى النفي ، حسن قوله : { بل } أي ليس الأمر كما يقولون ، لم نأتهم بسحر بل ، أو يكون المعنى : ليس هو أساطير ، بل { أتيناهم } فيه على عظمتنا { بالحق } أي الكامل الذي لا حق بعده ، كما دلت عليه " ال " فكل ما أخبر به من التوحيد والبعث وغيرهما فهو حق { وإنهم لكاذبون * } في قولهم : إنه سحر لا حقيقة له ، وفي كل ما ادعوه من الولد والشريك وغيرهما مما بين القرآن فساده كما لزمهم بما أقروا به في جواب هذه الأسئلة الثلاثة . ولما كان من أعظم كذبهم ما أشار إليه قوله تعالى { وقالوا اتخذ الرحمن ولداً } [ مريم : 88 ] قال : { ما اتخذ الله } أي الذي لا كفوء له ، وأعرق في النفي بقوله : { من ولد } لا من الملائكة ولا من غيرهم ، لما قام من الأدلة على غناه ، وأنه لا مجانس له ، ولما لزمهم بإقرارهم أنه يجير ولا يجار عليه ، وأن له السماوات والأرض ومن فيهما . ولما كان الولد أخص من مطلق الشريك قال : { وما كان } أي بوجه من الوجوه { معه } فأفاد بفعل الكون نفي الصحة لينتفي الوجود بطريق الأولى { من إله } وزاد " من " لتأكيد النفي ؛ ولما لزمهم الكذب في دعوى الإلهية بولد أو غيره من إقرارهم هذا ، أقام عليه دليلاً عقلياً ليتطابق الإلزامي والعقلي فقال : { إذاً } أي إذ لو كان معه إله آخر { لذهب كل إله بما خلق } بالتصرف فيه وحده ليتميز ما له مما لغيره { ولعلا بعضهم } أي بعض الآلهة { على بعض } إذا تخالفت أوامرهم ، فلم يرض أحد منهم أن يضاف ما خلقه إلى غيره ، ولا أن يمضي فيه أمر على غير مراده ، كما هو مقتضى العادة ، فلا يكون المغلوب إلهاً لعجزه ، ولا يكون مجيراً غير مجار عليه ، بيده وحده ملكوت كل شيء ، وفي ذلك إشارة إلى أنه لو لم يكن ذلك الاختلاف لأمكن أن يكون ، فكان إمكانه كافياً في إبطال الشركة لما يلزم ذلك من إمكان العجز المنافي للإلهية ، كما بين في الأنبياء . ولما طابق الدليل الإلزام على نفي الشريك ، نزه نفسه الشريفة بما هو نتيجة ذلك بقوله : { سبحان الله } أي المتصف بجميع صفات الكمال ، المنزه عن كل شائبة نقص { عما يصفون * } من كل ما لا يليق بجنابه المقدس من الشريك والولد وغيره ؛ ثم أقام دليلاً آخر على كماله بوصفه بقوله : { عالم الغيب } ولما كان العلم بذلك لا يستلزم علم الشهادة كما للنائم قال : { والشهادة } ولا عالم بذلك غيره . ولما كان من الواضح الجلي أنه لا مدعي لذلك ، ومن ادعاه غيره بأن كذبه لا محالة ، وأن من تم علمه تمت قدرته ، فاتضح تفرده كما بين في طه ، تسبب عنه قوله : { فتعالى } أي علا العالم المشار إليه علواً عظيماً { عما يشركون * } فإنه لا علم لشيء منه فلا قدرة ولا صلاحية لرتبة الإلهية .