Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 62-66)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما ذكر الآيتين ، ذكر ما هما آيتاه فقال : { وهو الذي جعل الليل } أي الذي آيته القمر { والنهار } الذي آيته الشمس { خلفة } أي ذوي حالة معروفة في الاختلاف ، فيأتي هذا خلف ذاك ، بضد ما له من الأوصاف ، ويقوم مقامه في كثير من المرادات ، والأشياء المقدرات ، ويعلم قد التسامح فيها ، ومن فاته شيء من هذا قضاه في ذاك ؛ قال ابن جرير : والعرب تقول : خلف هذا من كذا خلفة ، وذلك إذا جاء شيء مكان شيء ذهب قبله . وفي القاموس أن الخلف والخلفة - بالكسر : المختلف . فعلى هذا يكون التقدير : جعلهما مختلفين في النور والظلام ، والحر والبرد ، غير ذلك من الأحكام . وقال الرازي في اللوامع : يقال : الأمر بينهم خلفة ، أي نوبة ، كل واحد يخلف صاحبه ، والقوم خلفة ، أي مختلفون . ولما كان الذي لا ينتفع بالشيء كالعادم لذلك الشيء ، خص الجعل بالمجتني للثمرة فقال : { لمن أراد أن يذكر } أي يحصل له تذكر ولو على أدنى الوجوه - بما دل عليه الإدغام في قراءة الجماهة بفتح الذال والكاف مشددتين ، لما يدله عليه عقله من أن التغير على هذه الهيئة العظيمة لا يكون بدون مغير قادر عظيم القدرة مختار ، فيؤديه تذكره إلى الإيمان إن كان كفوراً ، وقراءة حمزة بالتخفيف من الذكر تشير إلى أن ما يدلان عليه من تمام القدرة وشمول العلم الدال قطعاً على الوحدانية على غاية من الظهور ، لا يحتاج إلى فكر ، بل تحصل بأدنى التفات { أو أراد شكوراً * } أي شكراً بليغاً عظيماً لنعم الله لتحمله إرادته تلك على الشكر إن كان مؤمناً ، بسبب ما أنعم به ربه من الإتيان بكل منهما بعد هجوم الآخر لاجتناء ثمراته ، ولو جعل أحدهما دائماً لفاتت مصالح الآخرة ، ولحصلت السآمة به ، والملل منه ، والتواني في الأمور المقدرة بالأوقات ، الكسل وفتر العزم الذي إنما يثيره لتداركها دخول وقت آخر ، وغير ذلك من الأمور التي أحكمها العلي الكبير . ولما ذكر عباده الذين خذلهم بتسليط الشيطان عليهم فصاروا حزب الشيطان ، ولم يصفهم إلى اسم من أسمائه ، إيذاناً بإهانتهم لهوائهم عنده ، وهم الذين صرح بهم قوله أول السورة { نذيراً } وختم بالتذكر والشكر إشارة إلى عباده الذين أخلصهم لنفسه ، وأشار إليهم سابقاً بتخصيص الوصف بالفرقان ، فأتبع ذلك ذكرهم ، فقال عاطفاً على جملة الكلام في قوله { وإذا قيل لهم } لكنه رفعهم بالابتداء تشريفاً لهم : { وعباد } ويجوز أن يقال ولعله أحسن : أنه سبحانه لما وصف الكفار في هذه السورة بما وصفهم به من الفظاظة والغلظة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وعداوتهم له ، ومظاهرتهم على خالقهم ، ونحو ذلك من جلافتهم ، وختم بالتذكر والشكر ، وكان التقدير : فعباد الشيطان لا يتذكرون ولا يشكرون ، لما لهم من القسوة ، عطف على هذا المقدر أضدادهم ، واصفاً لهم بأضداد أوصافهم ، مبشراً لهم بضد جزائهم ، فقال : وعباد { الرحمن } فأضافهم إليه رفعة لهم وإن كان كل الخلق عباده ، وأضافهم إلى صفة وصف الرحمة الأبلغ الذي أنكره أولئك تبشيراً لهم ؛ ثم وصفهم بضد ما وصف به المتكبرين عن السجود ، إشارة إلى أنهم تخلقوا من هذه الصفة التي أضيفوا إليها بأمر كبير ، فقال : { الذين يمشون } وقال : { على الأرض } تذكيراً بما هم منه وما يصيرون إليه ، وحثاً على السعي في معالي الأخلاق للترقي عنه ، وعبر عن حالهم بالمصدر مبالغة في اتصافهم بمدلوله حتى كانوا إياه ، فقال : { هوناً } أي ذوي هون ، أي لين ورفق وسكينة ووقار وإخبات وتواضع ، لا يؤذون أحداً ولا يفخرون ، رحمة لأنفسهم وغيرهم ، غير متابعين ما هم فيه من الحرارة الشيطانية ، فبرؤوا من حظوظ الشيطان ، لأن من كان من الأرض وإليها يعود لا يليق به إلا ذلك ، والأحسن أن يجعل هذا خبر " العباد " ، ويكون { أولئك يجزون الغرفة } [ الفرقان : 75 ] استئنافاً متشوفاً إليه تشوف المستنتج إلى النتيجة . ولما ذكر ما أثمره العلم من الفعل في أنفسهم ، أتبعه ما أنتجه الحلم من القول لغيرهم فقال : { وإذا } دون " إن " لقضاء العادة بتحقق مدخولها ، ولم يقل : والذين كبقية المعطوفات ، لأن الخصلتين كشيء واحد من حيث رجوعهما إلى التواضع { خاطبهم } خطاباً ما ، بجهل أو غيره وفي وقت ما { الجاهلون } أي الذين يفعلون ما يخالف العلم والحكمة { قالوا سلاماً * } أي ما فيه سلامة من كل سوء ، وليس المراد التحية - نقل ذلك سيبويه عن أبي الخطاب ، قال : لأن الآية فيما زعم مكية ، ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين ، ولكنه على قولك : تسليماً لا خير بيننا وبينكم ولا شراً - انتهى . فلا حاجة إلى ادعاء نسخها بآية القتال ولا غيرها ، لأن الإغضاء عن السفهاء وترك المقابلة مستحسن في الأدب والمروءة والشريعة ، وأسلم للعرض والورع ، وكأنه أطلق الخطاب إعلاماً بأن أكثر قول الجاهل الجهل . ولما ذكر ما بينهم وبين الخلق من القول والفعل ، وكان الغالب على ذلك أن يكون جلوة نهاراً ، ذكر ما بينهم وبين خالقهم من ذلك خلوة ليلاً ، وذكر هذه المعطوفات التي هي صفات بالواو ، تنبيهاً على أن كل واحدة منها تستقل بالقصد لعظم خطرها ، وكبر أثرها ، فقال : { والذين يبيتون } من البيتوتة : أن يدركك الليل نمت أو لم تنم ، وهي خلاف الظلول ؛ وأفاد الاختصاص بتقديم { لربهم } أي المحسن إليهم برحمانيته ، يحيون الليل رحمة لأنفسهم ، وشكراً لفضله . ولما كان السجود أشد أركان الصلاة تقريباً إلى الله ، لكونه أنهى الخضوع مع أنه الذي أباه الجاهلون ، قدمه لذلك ويعلم بادىء بدء أن القيام في الصلاة فقال : { سجداً } وأتبعه ما هو تلوه في المشقة تحقيقاً لأن السجود على حقيقته فيتمحص الفعلان للصلاة ، فقال : { وقياماً * } أي ولم يفعلوا فعل الجاهلين من التكبر عن السجود ، بل كانوا - كما قال الحسن رحمه الله : نهارهم في خشوع ، وليلهم في خضوع . ولما ذكر تهذيبهم لأنفسهم للخلق والخالق ، أشار إلى أنه لا إعجاب عندهم ، بل هم وجلون ، وأن الحامل لهم على ذلك الإيمان بالآخرة التي كذب بها الجاهلون { يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون } [ المؤمنون : 60 ] وقدموا الدعاء بالنجاة اهتماماً بدرء المفسدة ، وإشعاراً بأنهم مستحقون لذلك وإن اجتهدوا ، لتقصيرهم عن أن يقدروه سبحانه حق قدره فقال : { والذين يقولون ربنا } أي أيها المحسن إلينا { اصرف عنا عذاب جهنم } الذي أحاط بنا لا ستحقاقنا إياه إلا أن يتداركنا عفوك ورحمتك ، بما توفقنا له من لقاء من يؤذينا بطلاقة الوجه ، لا بالتجهم ، ثم علل سؤالهم يقولهم : { إن عذابها كان } أي كوناً جبلت عليه { غراماً * } أي هلاكاً وخسراناً ملحاً محيط بمن تعلق به مذلاً له ، دائماً بمن غرى به ، لازماً له لا ينفك عنه ونحن كنا نسير على من آذانا . ولما ثبت لها هذا الوصف ، أنتج قوله : { إنها ساءت } أي تناهت هي في كل ما يحصل منه سوء ، وهي في معنى بئست في جميع المذام { مستقراً } أي من جهة موضع استقرار { ومقاماً * } أي موضع إقامة .