Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 57-61)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما وقع جوابهم عن قولهم { لولا أنزل إليه ملك } [ الفرقان : 7 ] وكان قد بقي قولهم { أو يلقى إليه كنز } [ الفرقان : 8 ] أشير إلى مزيد الاهتمام بجوابه بإبرازه في صورة الجواب لمن كأنه قال : ماذا يقال لهم إذا تظاهروا وطعنوا في الرسالة بما تقدم وغيره ؟ فقال : { قل } أي لهم يا أكرم الخلق حقيقة ، وأعدلهم طريقة محتجاً عليهم بإزالة ما يكون موضعاً للتهمة : { ما أسألكم عليه } أي على الإبلاغ بالبشارة والنذارة { من أجر } لتتهموني أني أدعوكم لأجله ، أو تقولوا : لولا ألقي إليه كنز ليغتني به عن ذلك ، فكأنه يقول : الاقتصار عن التوسع في المال إنما يكره لمن يسأل الناس ، وليس هذا من شيمي قبل النبوة فكيف بما بعدها ؟ فلا غرض لي حينئذ إلا نفعكم . ثم أكد هذا المعنى بقوله ، مستثنياً لأن الاستثناء معيار العموم : { إلا من } أي إلا أجر من { شاء أن يتخذ } أي يكلف نفسه ويخالف هواه ويجعل له { إلى ربه سبيلاً * } فإنه إذا اهتدى بهداية ربه كان لي مثل أجره ، لا نفع لي من جهتكم إلا هذا ، فإن سيتم هذا أجراً فهو مطلوبي ، ولا مرية في أنه لا ينقص أحداً شيئاً من دنياه ، فلا ضرر على أحد في طي الدنيا عني ، فأفاد هذا فائدتين : إحداهما أنه لا طمع له أصلاً في شيء ينقصهم ، والثانية إظهار الشفقة البالغة بأنه يعتد بمنفعتهم الموصلة لهم إلى ربهم ثواباً لنفسه . ولما كان المقصود ردهم عن عنادهم ، وكان ذلك في غاية الصعوبة ، وكان هذا الكلام لا يرد متعنتيهم - وهم الأغلب - الذين تخشى غائلتهم ، عطف على " قل " قوله : { وتوكل } أي أظهر العجز والضعف واستسلم واعتمد في أمرك كله ، ولا سيما في مواجهتهم بالإنذار ، وفي ردهم عن عنادهم . ولما كان الوكيل يحمل عن الموكل ثقل ما أظهر له عجزه فيه ويقوم بأعبائه حتى يصير كمن يحمل عن آخر عيناً محسوسة لا يصير له عليه شيء منها أصلاً ، عبر بحرف الاستعلاء تمثيلاً لذلك فقال : { على الحي } ولا يصح التوكل عليه إلا بلزوم طاعته والإعراض عما سواها . ولما كان الأحياء من الخلق يموتون ، بين أن حياته ليست كحياة غيره فقال : { الذي لا يموت } أي فلا ضياع لمن توكل عليه أصلاً ، بل هو المتولي لمصالحه في حياته وبعد مماته ، ولا تلتفت إلى ما سواه بوجه فإنه هالك { وسبح بحمده } أي نزهه عن كل نقص مثبتاً له كل كمال . ولما كان المسلى ربما وقع في فكره أن من سلاه إما غير قادر على نصره ، أو غير عالم بذنوب خصمه ، وكان السياق للشكاية من إعراض المبلغين عن القرآن ، وما يتبع ذلك من الأذى ، أشار بالعطف على غير مذكور إلى أن التقدير : فكفى به لك نصيراً ، وعطف عليه : { وكفى } وعين الفاعل وحققه بإدخال الجار عليه فقال : { به بذنوب عباده } أي وكل ما سواهم عباده { خبيراً * } لا يخفى عليه شيء منها وإن دق ، ثم وصفه بما يقتضي أنه مع ما له من عظيم القدرة بالملك والاختراع - متصف بالأناة وشمول العلم وحسن التدبير ليتأسى به المتوكل عليه فقال : { الذي خلق السماوات والأرض } أي على عظمهما { وما بينهما } من الفضاء والعناصر والعباد وأعمالهم من الذنوب وغيرها { ألا يعلم من خلق } [ الملك : 14 ] وقوله : { في ستة أيام } تعجيب للغبي الجاهل ، تدريب للفطن العالم في الحلم والأناة والصبر على عباد الله في دعوتهم إلى الله ، وتذكير بما له من عظيم القدرة وما يلزمها من شمول العلم ، والمراد مقدار ستة من أيامنا ، فإن الأيام ما حدثت إلا بعد خلق الشمس ، والإقرار بأن تخصيص هذا العدد لداعي حكمة عظيمة ، وكذا جميع أفعاله وإن كنا لا ندرك ذلك ، هو الإيمان ، وجعل الله الجمعة عيداً للمسلمين لأن الخلق اجتمع فيه بخلق آدم عليه السلام فيه في آخر ساعة . ولما كان تدبير هذا الملك أمراً باهراً ، أشار إليه بأداة التراخي فقال : { ثم استوى على العرش } أي شرع في تدبير لهذا الملك الذي اخترعه وأوجده ، وهم وذنوبهم من جملته كما يفعل الملوك في ممالكهم ، لا غفلة عنده عن شيء أصلاً ، ولا تحدث فيه ذرة من ذات أو معنى إلا بخلق جديد منه سبحانه ، رداً على من يقول من اليهود وغيرهم : إن ذلك إنما هو بما دبر في الأزل من الأسباب ، وأنه الآن لا فعل له . ولما كان المعصى إذا علم بعصيان من يعصيه وهو قادر عليه لم يمهله ، أشار إلى أنه على غير ذلك ، حاضاً على الرفق ، بقوله : { الرحمن } أي الذي سبقت رحمته غضبه ، وهو يحسن إلى من يكفره ، فضلاً عن غيره ، فأجدر عباده بالتخلق بهذا الخلق رسله ، و الحاصل أنه أبدع هذا الكون وأخذ في تدبيره بعموم الرحمة في إحسانه لمن يسمعه يسبّه بالنسبة له إلى الولد ، ويكذبه في أنه يعيده كما بدأه ، وهو سبحانه قادر على الانتقام منه بخلاف ملوك الدنيا فإنهم لا يرحمون من يعصيهم مع عجزهم . ولما كان العلم لازماً للملك ، سبب عن ذلك قوله على طريق التجريد : { فاسأل به } أي بسبب سؤالك إياه { خبيراً } عن هذه الأمور وكل أمر تريده ليخبرك بحقيقة أمره ابتداء وحالاً ومآلاً ، فلا يضيق صدرك بسبب هؤلاء المدعوين ، فإنه ما أرسلك إليهم إلا وهو عالبم بهم ، فسيعلي كعبك عليهم ، ويحسن لك العاقبة . ولما ذكر إحسانه إليهم ، وإنعامه عليهم ، ذكر ما أبدوه من كفرهم في موضع شكرهم فقال : { وإذا قيل لهم } أي هؤلاء الذين يتقلبون في نعمه ، ويغذوهم بفضله وكرمه ، من أيّ قائل كان : { اسجدوا } أي اخضعوا بالصلاة وغيرها { للرحمن } الذي لا نعمة لكم إلا منه { قالوا } قول عال متكبر كما تقدم في معنى { ظهيراً } : { وما الرحمن } متجاهلين عن معرفته فضلاً عن كفر نعمته معبرين بأداة ما لا يعقل ، وقال ابن العربي : إنهم إما عبروا بذلك إشارة إلى جهلهم الصفة ، دون الموصوف . ثم عجبوا من أمره بذلك منكرين عليه ، بقولهم : { أنسجد لما تأمرنا } فعبروا عنه بعد التجاهل في أمره والإنكار على الداعي إليه أيضاً بأداة ما لا يعقل { وزادهم } هذا الأمر الواضح المقتضي للإقبال والسكون شكراً للنعم وطمعاً في الزيادة { نفوراً * } لما عندهم من الحرارة الشيطانية التي تؤزهم أزاً ، فلا نفرة توازي هذه النفرة ، ولا ذم أبلغ منه . ولما ذكر حال النذير الذي ابتدأ به السورة في دعائه إلى الرحمن الذي لو لم يدع إلى عبادته إلا رحمانيته لكفى ، فكيف بكل جمال وجلال ، فأنكروه ، اقتضى الحال أن يوصل به إثباته بإثبات ما هم عالمون به من آثار رحمانيته ، ففصل ما أجمل بعد ذكر حال النذير ، ثم من الملك ، مصدراً له بوصف الحق الذي جعله مطلع السورة راداً لما تضمن إنكارهم من نفيه فقال : { تبارك } أي ثبت ثباتاً لا نظير له { الذي جعل في السماء } التي قدم أنه اخترعها { بروجاً } وهي اثنا عشر برجاً ، هي للكواكب السيارة كالمنازل لأهلها ، سميت بذلك لظهورها ، وبنى عليها أمر الأرض ، دبر بها فصولها ، وأحكم بها معايش أهلها . ولما كانت البروج على ما تعهد لا تصلح إلا بالنور ، ذكره معبراً بلفظ السراج فقال : { وجعل فيها } أي البروج { سراجاً } أي شمساً ، وقرأ حمزة والكسائي بصيغة الجمع للتنبيه على عظمته في ذلك بحيث إنه أعظم من ألوف ألوف من السرج ، فهو قائم مقام الوصف كما قال في الذي بعده : { وقمراً منيراً * } أتم - بتنقلهما فيها وبغير ذلك من أحوالهما - التدبير ، أي أن العلم بوجوبه لا شك فيه ، فكيف يشك عاقل في وجوده أو في رحمانيته بهذا العالم العظيم المتقن الصنع الظاهر فيه أمر الرحمانية .