Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 130-143)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما بين أن عملهم عمل من لا يخاف الموت ، أتبعه ما يدل على أنهم لا يظنون الجزاء فقال : { وإذا بطشتم } أي بأحد ، أخذتموه أخذ سطوة في عقوبة { بطشتم جبارين * } أي غير مبالين بشيء من قتل أو غيره ؛ قال البغوي : والجبار الذي يضرب ويقتل على الغضب . ولما خوفهم لهذا الإنكار عقاب الجبار ، تسبب عنه أن قال : { فاتقوا الله } أي الذي له جميع صفات الجلال والإكرام { وأطيعون * } . ولما كان ادكار الإحسان موجباً للإذعان ، قال مرغباً في الزيادة ومرهباً من الحرمان : { واتقوا الذي أمدكم } أي جعل لكم مدداً ، وهو إتباع الشيء بما يقويه على الانتظام { بما تعلمون * } أي ليس فيه نوع خفاء حتى تعذروا في الغفلة عن تقييده بالشكر . ولما أجمل ، فصل ليكون أكمل ، فقال : { أمدكم بأنعام } أي تعينكم على الأعمال وتأكلون منها وتبيعون . ولما قدم ما يقيم الأود ، أتبعه قوله : { وبنين * } أي يعينونكم على ما تريدون عند العجز . ثم أتبعه ما يحصل كمال العيش فقال : { وجنات } أي بساتين ملتفة الأشجار بحيث تستر داخلها ، وأشار إلى دوام الريّ بقوله : { وعيون * } . ولما كانوا في إعراضهم كأنهم يقولون : ما الذي تبقيه منه ؟ قال : { إني أخاف عليكم } أي لأنكم قومي يسوءني ما يسوءكم - إن تماديتم على المعصية { عذاب يوم عظيم * } وتعظيم اليوم أبلغ من تعظيم العذاب { قالوا } راضين بما عندهم من داء الإعجاب ، الموقع في كل ما عاب ، { سواء علينا أوعظت } أي خوفت وحذرت وكنت علامة زمانك في ذلك بأن تقول منه ما لم يقدر أحد على مثله ، دل على ذلك قوله : { أم لم تكن من الواعظين * } أي متأهلاً لشيء من رتبة الراسخين في الوعظ ، معدوداً في عدادهم ، مذكوراً فيما بينهم ، فهو أبلغ من " أم لم تعظ " أو " تكن واعظاً ، والوعظ - كما قال البغوي : كلام يلين القلب بذكر الوعد والوعيد . والمعنى أن الأمر مستوٍ في الحالتين في أنا لا نطيعك في شيء ؛ ثم عللوا ذلك بقولهم : { إن } أي ما { هذا } أي الذي جئتنا به { إلا خلق } بفتح الخاء وإسكان اللام في قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي { الأولين * } أي كذبهم ، أو ما هذا الذي نحن فيه إلا عادة الأولين في حياة ناس وموت آخرين ، وعافية قوم وبلاء آخرين ، وعليه تدل قراءة الباقين بضم الخاء واللام { وما نحن بمعذبين * } لأنا أهل قوة وشجاعة ونجدة وبراعة . ولما تضمن هذا التكذيب ، سبب عنه قوله : { فكذبوه } ثم سبب عنه قوله : { فأهلكناهم } أي بالريح بما لنا من العظمة التي لا تذكر عندها عظمتهم ، والقوة التي بها كانت قوتهم { إن في ذلك } أي الإهلاك في كل قرن للعاصين والإنجاء للطائعين { لآية } أي عظيمة لمن بعدهم على أنه سبحانه فاعل ذلك وحده بسبب أنه يحق الحق ويبطل الباطل ، وأنه مع أوليائه ومن كان معه لا يذل وعلى أعدائه ومن كان عليه لا يعز { وما كان أكثرهم } أي أكثر من كان بعدهم { مؤمنين * } فلا تحزن أنت على من أعرض عن الإيمان { وإن ربك } أي المحسن إليك بإرسالك وغيره من النعم { لهو العزيز } في انتقامه { الرحيم * } في إنعامه وإكرامه وإحسانه ، مع عصيانه وكفرانه ، وإرسال المنذرين وتأييدهم بالآيات المعجزة لبيان الطريق الأقوم ، والمنهج الأسلم ، فلا يهلك إلا بعد الإعذار بأبلغ الإنذار ؛ ثم دل على ذلك لمن قد ينسى إذ كان الإنسان مجبولاً على النسيان بقوله : { كذبت ثمود } وهو أهل الحجر { المرسلين * } وأشار إلى زيادة التسلية بمفاجأتهم بالتكذيب من غير تأمل ولا توقف بقوله : { إذ } أي حين { قال لهم أخوهم } أي الذي يعرفون صدقه وأمانته ، وشفقته وصيانته { صالح } وأشار إلى تلطفه بهم بقوله على سبيل العرض { ألا تتقون * } ثم علل ذلك بقوله : { إني لكم رسول } أي من الله ، فلذلك عرضت عليكم هذا لأني مأمور بذلك ، وإلا لم أعرضه عليكم { أمين * } لا شيء من الخيانة عندي ، بل أنصح لكم في إبلاغ جميع ما أرسلت به إليكم من خالقكم ، الذي لا أحد أرحم بكم منه .