Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 117-129)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما أيس منهم بما سمع من المبالغة بالتأكيد في قولهم ، ورأى بما يصدقه من فعلهم ، قال تعالى مخبراً عنه جواباً لسؤال من يريد تعرف حاله بعد ذلك : { قال } شاكياً إلى الله تعالى ما هو أعلم به منه توطئة للدعاء عليهم وإلهاباً إليه وتهييجاً ، معرضاً عن تهديدهم له صبراً واحتساباً ، لأنه من لازم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واكتفاء عنه بسببه : { رب } أي أيها المحسن إليّ . ولما كان الحال مقتضياً لأن يصدقوه لما له في نفسه من الأمانة ، وبهم من القرابة ، ولما أقام على ما دعاهم إليه من الأدلة مع ما له في نفسه من الوضوح ، أكد الإخبار بتكذيبهم ، إعلاماً بوجوده ، وبإنه تحققه منهم من غير شك فقال : { إن قومي كذبون * } أي فلا نية لهم في اتباعي { فافتح } أي احكم { بيني وبينهم فتحاً } أي حكماً يكون لي فيه فرج ، وبه من الضيق مخرج ، فأهلك المبطلين وأنجز حتفهم { ونجني ومن معي } أي في الدين { من المؤمنين * } مما تعذب به الكافرين . ولما كان في إهلاكهم وإنجائه من بديع الصنع ما يجل عن الوصف ، أبرزه في مظهر العظمة فقال : { فأنجيناه ومن معه } أي ممن لا يخالفه في الدين على ضعفهم وقتلهم { في الفلك } ولما كانت سلامة المملوء جداً أغرب قال : { المشحون * } أي المملوء بمن حمل فيه من الناس والطير وسائر الحيوان وما حمل من زادهم وما يصلحهم . ولما كان إغراقهم كلهم من الغرائب عظمه بأداة البعد - ومظهر العظمة فقال : { ثم أغرقنا بعد } أي بعد حمله الذي هو سبب إنجائه { الباقين * } أي من بقي على الأرض ولم يركب معه في السفينة على قوتهم وكثرتهم ، وكان ذلك علينا يسيراً . ولما كان ذلك أمراً باهراً ، عظمه بقوله : { إن في ذلك } أي الأمر العظيم من الدعاء والإمهال ثم الإنجاء والإهلاك { لآية } أي عظيمة لمن شاهد ذلك أو سمع به ، على أنا ننتقم ممن عصانا ، وننجي من أطاعنا ، وأنه لا أمر لأحد معنا فيهديه إلى الإيمان ، ويحمله على الاستسلام والإذعان { وما } أي والحال أنه ما { كان أكثرهم } أي أكثر العالمين بذلك { مؤمنين * } وقد ينبغي لهم إذ فاتهم الإيمان لمحض الدليل أن يبادروا إليه ويركبوا معه حين رأوا أوائل العذاب أو بعد أن ألجمهم الغرق { وإن ربك } المحسن إليك بإرسالك ، وتكثير أتباعك ، وتعظيم أشياعك { لهو العزيز } أي القادر بعزته على كل من قسرهم على الطاعة ، وإهلاكهم في أول أوقات المعصية { الرحيم * } أي الذي يخص من يشاء من عباده بخالص وداده ، ويرسل إلى الضالين عن محجة العقل القويمة الرسل لبيان ما يجب وما يكره ، فلا يهلك إلا بعد البيان الشافي ، والإبلاغ الوافي . ولما كان كأنه قيل : إن هذا لأمر هائل ، في مثله موعظة ، فما فعل من جاء بعدهم ؟ هل اتعظ ؟ أجيب بقوله دلالة على الوصفين معاً : { كذبت عاد } أي تلك القبيلة التي مكن الله لها في الأرض بعد قوم نوح { المرسلين * } بالإعراض عن معجزة هود عليه الصلاة والسلام ؛ ثم سلى هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله : { إذ } أي حين { قال لهم أخوهم هود } لم يتوقفوا في تكذيبه ولم يتأخروا عن وقت دعائه لتأمل ولا غيره ، وقد عرفوا صدق إخائه ، وعظيم نصحه ووفائه { ألا } بصيغة العرض تأدباً معهم وتلطفاً بهم ولينالهم { تتقون * } أي تكون منكم تقوى لربكم الذي خلقكم فتعبدوه وحده ولا تشركوا به ما لا يضر ولا ينفع ؛ ثم علل بقوله : { إني لكم رسول } أي فهو الذي حملني على أن أقول لكم ذلك { أمين } أي لا أكتم عنكم شيئاً مما أمرت به ولا أخالف شيئاً منه { فاتقوا } أي فتسبب عن ذلك أني أقول لكم : اتقوا { الله } الذي هو أعظم من كل شيء { وأطيعون * } أي في كل ما آمركم به من دوام تعظيمه { وما } أي أنا رسول داع والحال أني ما { أسئلكم عليه } أي الدعاء { من أجر } فتتهموني به { إن } أي ما { أجري إلا على رب العالمين * } . ولما فرغ من الدعاء إلى الأصل ، وهو الإيمان بالرسول والمرسل ، أتبعه إنكار بعض ما هم عليه مما أوجبه الكفر ، وأوجب الاشتغال به الثبات على الغي ، واعظاً لهم بما كان لمن قبلهم من الهلاك ، مقدمة على زيادة التأكيد في التقوى والطاعة لأن حالهم حال الناسي لذلك الطوفان ، الذي أهلك الحيوان ، وهدم البنيان فقال : { أتبنون بكل ريع } أي مكان مرتفع ؛ قال أبو حيان : وقال أبو عبيدة : الريع الطريق . وقال مجاهد : الفج بين الجبلين ، وقيل : السبيل سلك أم لم يسلك . وأصله في اللغة الزيادة { آية } أي علامة على شدتكم لأنه لو كان لهداية أو نحوها لكفى بعض الأرياع دون كلها . ولما كان إقامة الدليل على قوتهم بمثل ذلك قليل الجدوى عند التأمل ، قال : { تعبثون * } والعاقل ينبغي له أن يصون أوقاته النفيسة عن العبث الذي لا يكون سبب نجاته ، وكيف يليق ذلك بمن الموت من ورائه . ولما كان من يموت لا ينبغي له إنكار الموت بفعل ولا قول قال : { وتتخذون مصانع } أي أشياء بأخذ الماء ، أو قصوراً مشيدة وحصوناً تصنعونها ، هي في إحكامها بحيث تأكل الدهر قوة وثباتاً ، فلا يبنيها إلا من حاله حال الراجي للخلود ، ولذلك قال : { لعلكم تخلدون * } وهو معنى ما في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما من تفسيرها بكأنكم .