Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 155-163)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما أسرع الله تعالى في إجابته حين دعا أن يعطيهم ما اقترحوا ، أشار إلى ذلك بقوله : { قال } أي جواباً لاقتراحهم : تعالوا نظروا ما آتيكم به آية على صدقي ، فأتوا فأخرج الله له من الصخرة ناقة عشراء كما اقترحوا ، فقال مشيراً إليها بأداة القرب إشارة إلى سهولة إخراجها وسرعته : { هذه ناقة } أي أخرجها ربي من الصخرة كما اقترحتم ؛ ثم أشار إلى أن في هذه الآية آية أخرى بكونها تشرب ماء البئر كله في يوم وردها وتكف عنه في اليوم الثاني لأجلهم ، بقوله : { لها شرب } أي نصيب من الماء في يوم معلوم { ولكم شرب يوم } أي نصيب من الماء في يوم { معلوم * } لازحام بينكم وبينها في شيء من ذلك . ولما أرشد السياق إرشاداً بَيِّناً إلى أن المعنى : فخذوا شربكم واتركوا لها شربها ، عطف عليه قوله : { ولا تمسوها بسوء } أي كائناً ما كان وإن قل ، لأن ما كان من عند الله يجب إكرامه ، ورعايته واحترامه ؛ ثم خوفهم بما يتسبب عن عصيانهم فقال : { فيأخذكم } أي يهلككم { عذاب يوم عظيم * } بسبب ما حل فيه من العذاب ، فهو أبلغ من وصف العذاب بالعظم ، وأشار إلى سرعة عصيانهم بفاء التعقيب في قوله : { فعقروها } أي قتلوها بضرب ساقها بالسيف . ولما تسبب عن عقرها حلول مخايل العذاب ، أخبر عن ندمهم على قتلها من حيث إنه يفضي إلى الهلاك ، لا من حيث إنه معصية لله ورسوله . فقال : { فأصبحوا نادمين * } أي على عقرها لتحقق العذاب ؛ وأشار إلى أن ذلك الندم لا على وجه التوبة أو أنه عند رؤية البأس فلم ينفع ، أو أن ذلك كناية عن أن حالهم صار حال النادم ، لا أنه وجد منهم ندم على شيء ما ، فإنه نقل عنهم أنه أتاهم العذاب العذاب وهو يحاولون أن يقتلوا صالحاً عليه السلام ، بقوله : { فأخذهم العذاب } أي المتوعد به . ولما كان في الناقة وفي حلول المخايل كما تقدم أعظم دليل على صدق الرسول الداعي إلى الله قال : { إن في ذلك لآية } أي دلالة عظيمة على صحة ما أمروا به عن الله ، { وما } أي والحال أنه مع ذلك ما { كان أكثرهم مؤمنين * } . ولما كان ربما توهم أنه سبحانه غير متصف بالعزة لعدم قسرهم على الإيمان ، أو بالرحمة لإهلاكهم ، قال : { وإن ربك لهو العزيز } أي فلا يخرج شيء من قبضته وإرادته ، وهو الذي أراد لهم الكفر { الرحيم * } في كونه لم يهلك أحداً حتى أرسل إليهم رسولاً فبين لهم ما يرضاه سبحانه وما يسخطه ، وأبلغ في إنذارهم حتى أقام الحجة بذلك ، ثم هو سبحانه يضل من يشاء لما تعلم من طبعه على ما يقتضي الشقاوة ، ويوفق من علم منه الخير لما يرضيه ، فيتسبب عن ذلك سعادته ، وفي تكريره سبحانه هذه الآية آخر كل قصة على وجه التأكيد وإتباعها ما دلت عليه من كفر من أتى بعد أصحابها . من غير اتعاظ بحالهم ، ولا نكوب عن مثل ضلالهم ، خوفاً من نظير نكالهم ، أعظم تسلية لهذا النبي الكريم ، وتخويف لكل عليم حليم ، واستعطاف لكل ذي قلب سيلم ، ولذلك قال واصلاً بالقصة : { كذبت } أي دأب من تقدم كأنهم تواصوا به { قوم لوط المرسلين * } لأن من كذب رسولاً - كما مضى - فقد كذب الكل ، لتساوي المعجزات في الدلالة على الصدق . وقد صرحت هذه الآية بكفرهم بالتكذيب . وبين إسراعهم في الضلال بقوله : { إذ } أي حين { قال لهم أخوهم } أي في السكنى في البلد لا في النسب لأنه ابن أخي إبراهيم عليه السلام ، وهما من بلاد الشرق من بلاد بابل - وكأنه عبر بالأخوة لاختياره لمجاورتهم ، ومناسبتهم بمصاهرتهم ، وإقامته بينهم في مدينتهم مدة مديدة ، وسنين عديدة ، وإتيانه بالأولاد من نسائهم ، مع موافقته لهم في أنه قروي ، ثم بينه بقوله : { لوط ألا تتقون * } أي تخافون الله فتجعلوا بينكم وبين سخطه وقاية . ولما كان مضمون هذا الدعاء لهم والإنكار عليهم في عدم التقوى علل ذلك بقوله : { إني لكم } أي خاصة { رسول أمين * } أي لا شيء من غش ولا خيانة عندي ، ولذلك سبب عنه قوله : { فاتقوا الله } أي لقدرته على إهلاك من يريد وتعاليه في عظمته { وأطيعون * } أي لأن طاعتي سبب نجاتكم ، لأني لا آمركم إلا بما يرتضيه . ولا أنهاكم إلا عما يغضبه .