Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 164-171)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما أثبت الداعي إلى طاعته ، نفى الناهي عنها فقال : { وما أسئلكم عليه } أي الدعاء إلى الله { من أجر } أي فتتهموني بسببه ؛ ونفى سؤاله لغيرهم من الخلائق بتخصيصه بالخالق فقال : { إن } أي ما { أجري إلا على رب العالمين * } أي المحسن إليهم بإيجادهم ثم تربيتهم . فلما وجدوا المقتضى لاتباعه وانتفى المانع ، أنكر عليهم ما يوجب عذابهم من إيثارهم شهوة الفرج المخرج لهم إلى ما صاروا به سبة في الخلق فقال موبخاً مقرعاً بياناً لتفاحش فعلهم وعظمه : { أتأتون } أي إتيان المعصية { الذكران } ولعلهم كانوا يفعلون بالذكور من غير الآدميين توغلاً في الشر وتجاهراً بالتهتك لقوله : { من العالمين * } أي كلهم ، أو يكون المعنى : من بين الخلائق ، أي أنكم اختصصتم بإتيان الذكران ، لم يفعل هذا الفعل غيركم من الناكحين من الخلق { وتذرون } أي تتركون لهذا الغرض { ما خلق لكم } أي النكاح { ربكم } المحسن إليكم { من أزواجكم } أي وهن الإناث ، على أن " من " للبيان ، ويجوز أن تكون مبعضة ، ويكون المخلوق كذلك هو القبل . ولما كانوا كأنهم قالوا : نحن لم نترك أزواجنا ، حملاً لقوله على الترك أصلاً ورأساً وإن كانوا قد فهموا أن مراده تركهن حال الفعل في الذكور ، قال مضرباً عن مقالهم هذا المعلوم تقديره لما أرادوه به ، حيدة عن الحق ، وتمادياً في الفجور : { بل أنتم قوم عادون * } أي تركتم الأزواج بتعدي الفعل بهن وتجاوزه إلى الفعل بالذكران ، وليس ذلك ببدع من أمركم ، فإن العدوان - الذي هو مجاوزة الحد في الشر - وصف لكم أنتم عريقون فيه ، فلذلك لا تقفون عند حد حده الله تعالى . فلما اتضح الحق ، وعرف المراد ، وكان غريباً عندهم ، وتشوف السامع إلى جوابهم ، استؤنف الإخبار عنه ، فقيل إعلاماً بانقطاعهم وأنهم عارفون أنه لا وجه لهم في ذلك أصلاً لعدولهم إلى الفحش : { قالوا } مقسمين : { لئن لم تنته } وسموه باسمه جفاء وغلظة فقالوا : { يا لوط } عن مثل إنكارك هذا علينا . ولما كان لما له من العظمة بالنبوة والأفعال الشريفة التي توجب إجلاله وإنكار كل من يسمعهم أن يخرج مثله ، زادوا في التأكيد فقالوا : { لتكونن من المخرجين } أي ممن أخرجناه من بلدنا على وجه فظيع تصير مشهوراً به بينهم . إشارة إلى أنه غريب عندهم ، وأن عادتهم المستمرة نفي من اعترض عليهم ، وكان قصدهم بذلك أن يكونوا هم المتولين لإخراجه إهانة له للاستراحة منه ، فكان إخراجه ، لكن إخراج إكرام للاستراحة منهم والنجاة من عذابهم بتولي الملائكة الكرام { قال } أي جواباً لهم : { إني } مؤكداً لمضمون ما يأتي به { لعملكم } ولم يقل : قال بل زاد في التأكيد بقوله : { من القالين * } أي المشهورين ببغض هذا العمل الفاحش ، العريقين في هذا الوصف ، المذكورين بين الناس بمنابذة من يفعله ، لا يردني عن إنكاره تهديدكم لي بإخراج ولا غيره ، والقلاء : بغض شديد كأنه يقلي الفؤاد . ولما بادأهم بمثل هذا الذي من شأنه الإفضاء إلى الشر ، أقبل على من يفعل ذلك لأجله ، وهو القادر على كل شيء العالم بكل شيء ، فقال : { رب نجني وأهلي مما } أي من الجزاء الذي يلحقهم لما { يعملون * } . ولما قبل سبحانه وتعالى دعاءه ، أشار إلى ذلك بقوله : { فنجيناه وأهله } مما عذبناهم به بإخراجنا له من بلدهم حين ستخفافهم له ، ولم يؤخره عنهم إلى حين خروجه إلا لأجله ، وعين سبحانه المراد مبيناً أن أهله كثير بقوله : { أجمعين * } أي أهل بيته والمتبعين له على دينه { إلا عجوزاً } وهي امرأته ، كائنة { في } حكم { الغابرين * } أي الماكثين الذي تلحقهم الغبرة بما يكون من الداهية فإننا لن ننجها لقضائنا بذلك في الأزل ، لكونها لم تتابعه في الدين ، وكان هواها مع قومها .