Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 172-180)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما ذكر نجاته المفهمة لهلاكهم ، صرح به على وجه هوله بأداة التراخي لما علم غير مرة أنه كان عقب خروجه ، لم يتخلل بينهما مهلة فقال : { ثم دمرنا } أي أهلكنا هلاكاً بغتة صلباً أصمّ في غاية النكد ، وما أحسن التعبير عنهم بلفظ { الآخرين * } لإفهام تأخرهم من كل وجه . ولما كان معنى { دمرنا } : حكمنا بتدميرهم ، عطف عليه قوله : { وأمطرنا } ودل على العذاب بتعديته بـ " على " فقال : { عليهم مطراً } أي وأي مطر ، ولذلك سبب عنه قوله : { فساء مطر المنذرين * } أي ما أسوأ مطر الذين خوفهم لوط عليه السلام بما أشار إليه إنكاره وتعبيره بالتقوى والعدوان . ولما كان في جري المكذبين والمصدقين على نظام واحد من الهلاك والنجاة أعظم عبرة وأكبر موعظة ، أشار إلى ذلك بقوله : { إن في ذلك لآية } أي دلالة عظيمة على صدق الرسل في جميع ترغيبهم وترهيبهم وتبشيرهم وتحذيرهم . ولما كان من أتى بعد هذه الأمم كقريش ومن تقدمهم قد علموا أخبارهم ، وضموا إلى بعض الأخبار نظر الديار ، والتوسم في الآثار قال معجباً من حالهم في ضلالهم : { وما } أي والحال أنه ما { كان أكثرهم مؤمنين * } . ولما كان في ذلك إشارة إلى الإنذار بمثل ما حل بهم من الدمار ، أتبعه التصريح بالتخويف والإطماع فقال : { وإن ربك لهو } أي وحده { العزيز } أي في بطشه بأعدائه { الرحيم * } في لطفه بأوليائه ، ورفقه بأعدائه بإرسال الرسل ، وبيان كل مشكل ؛ ثم وصل بذلك دليله ، فقال مذكراً الفعل لشدة كفرهم بدليل ما يأتي من إثبات الواو في { وما أنت إلا بشر مثلنا } : { كذب أصحاب لئيكة } أي الغيضة ذات الأرض الجيدة التي تبتلع الماء فتنبت الشجر الكثير الملتف { المرسلين * } لتكذيبهم شعيباً عليه السلام فيما أتى به من المعجزة السماوية في خرق العادة وعجز المتحدّين بها عن مقاومتها - لبقية المعجزات الآتي بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام { إذ قال لهم } . ولما كانوا أهل بدو وكان هو عليه السلام قروياً ، قال : { شعيب } ولم يقل : أخوهم ، إشارة إلى أنه لم يرسل نبياً إلا من أهل القرى ، تشريفاً لهم لأن البركة والحكمة في الاجتماع ، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التعرب بعد الهجرة ، وقال : " من يرد الله به خيراً ينقله من البادية إلى الحاضرة " { ألا تتقون * } أي تكونون من أهل التقوى ، وهو مخافة من الله سبحانه وتعالى . ولما كان كأنه قيل : ما لك ولهذا ؟ قال : { إني } وأشار إلى تبشيرهم إن أطاعوه بقوله : { لكم رسول } أي من الله ، فهو أمرني أن أقول لكم ذلك { أمين * } أي لا غش عندي ولا خداع ولا خيانه ، فلذلك أبلغ جميع ما أرسلت به ، ولذلك سبب عنه قوله : { فاتقوا الله } أي المستحق لجميع العظمة ، وهوالمحسن إليكم بهذه الغيضة وغيرها { وأطيعون * } أي لما ثبت من نصحي . ولا قدم ما هو المقصود بالذات . عطف على خبر { إن } قوله : { وما أسئلكم عليه من أجر } نفياً لما ينفر عنه ؛ ثم زاد في البراءة مما يوكس من الطمع في أحد من الخلق فقال : { إن } أي ما { أجري إلا على رب العالمين * } أي المحسن إلى الخلائق كلهم ، فأنا لا أرجو أبداً أحداً يحتاج إلى الإحسان إليه ، وإنما أعلق أملي بالمحسن الذي لا يحتاج إلى أحد ، وكل أحد سائل من رفده ، وآخذ من عنده ولقد اتضح أن الرسل متطابقون في الدعوة في الأمر بالتقوى والطاعة والإخلاص في العبادة ، مع النصح والعفة ، والأمانة والخشية والمحسبة .