Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 1-5)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ طسم * } لعله إشارة إلى الطهارة الواقعة بذي طوى من طور سيناء وطيبة ومكة وطيب ما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم مما يجمع ذلك كله - كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما ما يرشد إلى ذلك ، وإلى خلاص بني إسرائيل بما سمعه موسى عليه السلام من الكلام القديم ، وبإتمام أمرهم بتهيئتهم للملك بإغراق فرعون وجنوده ونصرهم على من ناوأهم في ذلك الزمان بعد تطهيرهم بطول البلاء الذي أوصلهم إلى ذل العبودية ، وذلك كله إشارة إلى تهديد قريش بأنهم إن لم يتركوا لددهم فعل بهم ما فعل بفرعون وجنوده من الإذلال بأي وجه أراد . وخلص عباده منهم ، وأعزهم على كل من ناوأهم . ولما فرق سبحانه في تلك بين الدين الحق والمذهب الباطل ، وبين ذلك غاية البيان ، وفصل الرحمن من عباد الشيطان ، وأخبر أنه عم برسالته صلى الله عليه وسلم جميع الخلائق ، وختم بشديد الإنذار لأهل الإدبار ، بعد أن قال { فقد كذبتم } وكان حين نزولها لم يسلم منهم إلا القليل ، وكان ذلك ربما أوهم قرب إهلاكهم وإنزال البطش بهم ، كما كان في آخر سوة مريم ، وأشارت الأحرف المقطعة إلى مثل ذلك ، فأوجب الأسف على فوات ما كان يرجى من رحمتهم بالإيمان ، والحفظ عن نوازل الحدثان ، وكان ذلك أيضاً ربما أوجب أن يظن ظان ، أن عدم إسلامهم لنقص في البيان ، أزال ذلك سبحانه أول هذه فقال { تلك } أي الآيات العالية المرام ، الحائزة أعلى مراتب التمام ، المؤلفة من هذه الحروف التي تتناطقون بها وكلمات لسانكم { ءايات الكتاب } أي الجامع لكل فرقان { المبين * } أي الواضح في نفسه أنه معجز ، وأنه من عند الله ، وأن فيه كل معنى جليل ، الفارق لكل مجتمع ملتبس بغاية البيان ، فصح أنه كما ذكر في التي قبلها ، فإن الإبانة هي الفصل والفرق ، فصار الإخبار بأنه فرقان مكتنفاً الإنذار أول السورة التي قبلها وآخرها - والله الموفق . وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما عرفت سورة الفرقان بشنيع مرتكب الكفرة المعاندين ، وختمت بما ذكر من الوعيد ، كان ذلك مظنة لإشفاقه عليه الصلاة والسلام وتأسفه على فوات إيمانهم ، لما جبل عليه من الرحمة والإشفاق ، فافتتحت السورة الأخرى بتسليته عليه الصلاة والسلام ، وأنه سبحانه لو شاء لأنزل عليهم آية تبهرهم وتذل جبابرتهم فقال سبحانه { لعلك باخع نفسك } - الآيتين ، وقد تكرر هذا المعنى عند إرادة تسليته عليه الصلاة والسلام كقوله تعالى : { ولو شاء الله لجمعهم على الهدى } [ الأنعام : 35 ] ، { ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها } [ السجدة : 13 ] ، { ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً } [ يونس : 99 ] ، { ولو شاء الله ما فعلوه } [ الأنعام : 137 ] ثم أعقب سبحانه بالتنبيه والتذكير { أو لم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم } ، { وإذ نادى ربك موسى } وقلّما تجد في الكتاب العزيز ورود تسليته عليه السلام إلا معقبة بقصص موسى عليه السلام وما كابد من بني إسرائيل وفرعون ، وفي كل قصة منها إحراز ما لم تحرزه الأخرى من الفوائد والمعاني والأخبار حتى لا تجد قصة تتكر وإن ظن ذلك من لم يمعن النظر ، فما من قصة من القصص المتكررة في الظاهر إلا ولو سقطت أو قدر إزالتها لنقص من الفائدة ما لا يحصل من غيرها ، وسيوضح هذا في التفسير بحول الله ؛ ثم أتبع جل وتعالى قصة موسى بقصص غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع أممهم على الطريقة المذكورة ، وتأنيساً له عليه الصلاة والسلام حتى لا يهلك نفسه أسفاً على فوت إيمان قومه ؛ ثم أتبع سبحانه ذلك بذكر الكتاب وعظيم النعمة به فقال { وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون } فيا لها كرامة تقصر الألسن عن شكرها ، وتعجز العقول عن تقديرها ، ثم أخبر تعالى أنه { بلسان عربي مبين } ، ثم أخبر سبحانه بعلى أمر هذا الكتاب وشائع ذكره على ألسنة الرسل والأنبياء فقال : { وإنه لفي زبر الأولين } وأخبر أن علم بني إسرائيل من أعظم آية وأوضح برهان وبينة ، وأن تأمل ذلك كاف ، واعتباره شاف ، فقال : { أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل } كعبد الله بن سلام وأشباهه ، ثم وبخ تعالى متوقفي العرب فقال : { ولو نزلناه على بعض الأعجمين } - الآية ، ثم أتبع ذلك بما يتعظ به المؤمن الخائف من أن الكتاب - مع أنه هدى ونور - قد يكون محنة في حق طائفة كما قال تعالى : { يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً } [ البقرة : 26 ] ، { وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم } [ التوبة : 125 ] فقال تعالى في هذا المعنى { كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم } الآيات ، ثم عاد الكلام إلى تنزيه الكتاب وإجلاله عن أن تتسور الشياطين على شيء منه أو تصل إليه فقال سبحانه { وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون } أي ليسوا أهلاً له ولا يقدرون على استراق سمعه ، بل هم معزولون عن السمع ، مرجومون بالشهب ، ثم وصى تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم - والمراد المؤمنون - فقال : { فلا تدع مع الله إلهاً آخر فتكون من المعذبين } ثم أمره بالإنذار ووصاه بالصبر فقال : { وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين } ثم أعلم تعالى بموقع ما توهموه ، وأهلية ما تخيلوه ، فقال : { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم } ثم وصفهم ، وكل هذا تنزيه لنبيه صلى الله عليه وسلم عما تقولوه ، ثم هددكم وتوعدهم فقال : { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } - انتهى . ولما كان قد قدم في تلك أنه عم برسالته جميع الخلائق ، وختم بالإنذار على تكذيبهم في تخلفهم ، مع إزاحة جميع العلل ، نفي كل خلل ، وكان ذلك مما يقتضي شدة أسفه صلى الله عليه وسلم على المتخلفين كما هو من مضمون { إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً } على ما تقدم . وذلك لما عنده صلى الله عليه سلم من مزيد الشفقة ، وعظيم الرحمة ، قال تعالى يسليه ، ويزيل من أسفه ويعزيه ، على سبيل الاستئناف ، مشيراً إلى أنه لا نقص في إنذاره ولا في كتابه الذي ينذر به يكون سبباً لوقوفهم عن الإيمان . وإنما السبب في ذلك محض إرادة الله تعالى : { لعلك باخع نفسك } أي مهلكها غمّاً . وقاتلها أسفاً ، من بخع الشاة إذا بالغ في ذبحها حتى قطع البخاع ، بكسر الموحدة ، وهو عرق باطن في الصلب وفي القفا ، وذلك أقصى حد الذابح ، وهو غير النخاع بتثليث النون فإنه الخيط الأبيض في جوف الفقار { أن } أي لأجل أن { لا يكونوا } أي كوناً كأنه جبلة لهم { مؤمنين * } أي راسخين في الإيمان ، فكان كأنه قيل : هذا الكتاب في غاية البيان في نفسه والإبانة للغير ، وقد تقدم في غير موضع أنه ليس عليك إلا البلاغ ، أتخاف وتشفق على نفسك من الهلاك عمّاً تأسفاً على عدم إيمانهم والحال أنا لو شئنا لهديناهم طوعاً أو كرهاً ، والظاهر أن جملة الإشفاق في موضع حال من اسم الإشارة كما أن الآية التي بعدها في موضع الحال منها ، أي نحن نشير إلى الآيات المبينة لمرادنا فيهم والحال أنك - لمزيد حرصك على نفعهم - بحال يشفق فيها عليك من لا يعلم الغيب من أن تقتل نفسك غمّاً لإبائهم الإيمان والحال أنا لو شئنا أتيناهم بما يقهرهم ويذلهم للإيمان وغيره . ولا كان المحب ميالاً إلى ما يريد حبيبه ، أعلمهم أن كل ما هم فيه بإرادته فقال : { إن نشأ } وعبر بالمضارع فيه وفي قوله : { ننزل } إعلاماً بدوام القدرة . ولما كان ذلك الإنزال من باب القسر ، والجبروت والقهر ، قال : { عليهم } وقال محققاً للمراد : { من السمآء } أي التي جعلنا فيها بروجاً للمنافع ، أشار إلى تمام القدرة بتوحيدها فقال : { آية } أي قاهرة كما فعلنا ببعض من قبلهم بنتق الجبل ونحوه ؛ وأشار إلى تحقق أثرها بالتعبير بالماضي في قوله عطفاً على { ننزل } لأنه في معنى { أنزلنا } : { فظلت } أي عقب الإنزال من غير مهلة { أعناقهم } التي هي موضع الصلابة ، وعنها تنشأ حركات الكبر وألإعراض { لها } أي للآية دائماً ، ولكنه عبر بما يفهم النهار لأنه موضع القوة على جميع ما يراد من التقلب والحيل والمدافعة { خاضعين * } جمعه كذلك لأن الفعل لأهلها ليدل على أن ذلهم لها يكون مع كونهم جميعاً ، ولا يغني جمعهم وإن زاد شيئاً ، والأصل : فظلوا ، ولكنه ذكر الأعناق لأنها موضع الخضوع فإنه يظهر لينها بعد صلابتها ، وانكسارها بعد شماختها ، وللإشارة إلى أن الخضوع يكون بالطبع من غير تأمل لما أبهتهم وحيرهم من عظمة الآية ، فكأن الفعل للأعناق لا لهم ؛ والخضوع : التطامن والسكون واللين ذلاً وانكساراً { وما } أي هذه صفتنا والحال أنه ما { يأتيهم } أي الكفار { من ذكر } أي شيء من الوعظ والتذكير والتشريع يذكروننا به ، فيكون سبب ذكرهم وشرفهم { من الرحمن } أي الذي أنكروه مع إحاطة نعمه بهم { محدث } أي بالنسبة إلى تنزيله وعلمهم به ؛ وأشار إلى دوام كبرهم بقوله : { إلا كانوا } أي كوناً هو كالخلق لهم ؛ وأشار بتقديم الجار والمؤذن بالتخصيص إلى ما لهم من سعة الأفكار وقوة الهمم لكل ما يتوجهون إليه ، وإلى أن لإعراضهم عنه من القوة ما يعد الإعراض معه عن غيره عدماً فقال : { عنه } أي خاصة { معرضين * } أي إعراضاً هو صفة لهم لازمة .