Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 6-10)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان حال المعرض عن الشيء حال المكذب به قال : { فقد } أي فتسبب عن هذا الفعل منهم أنهم قد { كذبوا } أي حققوا التكذيب وقربوه كما تقدم آخر تلك ، واستهزؤوا مع التكذيب بآياتنا . ولما كان التكذيب بالوعيد سبباً في إيقاعه ، وكان حالهم في تكذيبهم له صلى الله عليه وسلم حال المستهزىء لأن من كذب بشيء خف عنده قدره ، فصار عرضة للهزء ، قال مهدداً : { فسيأتيهم } سببه بالفاء وحققه بالسين ، وقلل التنفيس عما في آخر الفرقان ليعلموا أن ما كذبوا به واقع . وأنه ليس موضعاً للتكذيب بوجه { أَنْبَاءُ } أي عظيم أخبار وعواقب { ما } أي العذاب الذي { كانوا } أي كوناً كأنهم جبلوا عليه { به } أي خاصة لشدة إمعانهم في حقه وحده { يستهزءون * } أي يهزؤون ، ولكنه عبر بالسين إشارة إلى أن حالهم في شدة الرغبة في ذلك الهزء حال الطالب له ، وقد ضموا إليه التكذيب ، فالآية من الاحتباك : ذكر التكذيب أولاً دليلاً على حذفه ثانياً ، والاستهزاء ثانياً دليلاً على حذف مثله أولاً . ولما كانت رؤيتهم للآيات السماوية والأرضية الموجبة للانقياد والخضوع موجبة لإنكار تخلفهم عما تدعو إليه فضلاً عن الاستهزاء ، وكان قد تقدم آخر تلك الحثُّ على تدبر بروج السماء وما يتبعها من الدلالات فكان التقدير : ألم يروا إلى السماء كم أودعنا في بروجها وغيرها من آيات نافعة وضارة كالأمطار والصواعق ، عطف عليه ما ينشأ عن ذلك في الأرض في قوله معجباً منهم : { أولم يروا } . ولما كانوا في عمى عن تدبر ذلك ، عبر للدلالة عليه بحرف الغاية فقال : { إلى الأرض } أي على سعتها واختلاف نواحيها وتربها ؛ ونبه على كثرة ما صنع من جميع الأصناف فقال : { كم أنبتنا } أي بما لنا من العظمة { فيها } بعد أن كانت يابسة ميتة لا نبات بها { من كل زوج } أي صنف مشاكل بعضه لبعض ، فلم يبق صنف يليق بهم في العاجلة إلا أكثرنا من الإنبات منه { كريم * } أي جم المنافع ، محمود العواقب ، لا خباثة فيه ، من الأشجار والزروع وسائر النباتات على اختلاف ألوانها في زهورها وأنوارها ، وطعومها وأقدراها ، ومنافعها وأرواحها - إلى غير ذلك من أمور لا يحيط بها حداً ولا يحصيها عداً ، إلا الذي خلقها ، مع كونها تسقى بماء واحد ؛ والكريم وصف لكل ما يرضى في بابه ويحمد ، وهو ضد اللئيم . ولما كان ذلك باهراً للعقل منبهاً له في كل حال على عظيم اقتدار صانعه ، وبديع اختياره ، وصل به قوله : { إن في ذلك } أي الأمر العظيم من الإنبات ، وما تقدمه من العظات على كثرته { لآية } أي علامة عظيمة جداً لهم على تمام القدرة على البعث وغيره ، كافية في الدعاء إلى الإيمان ، والزجر عن الطغيان ، ولعله وحّدها على كثرتها إشارة إلى أن الدوالّ عليه متساوية الأقدام في الدلالة ، فالراسخون تغنيهم واحدة ، وغيرهم لا يرجعون لشيء { و } الحال أنه { ما كان } في الشاكلة التي خلقتهم عليها { أكثرهم } أي البشر { مؤمنين * } أي عريقين في الإيمان ، لأنه { ما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون } { وإن } أي والحال أن { ربك } أي الذي أحسن إليك بالإرسال ، وسخر لك قلوب الصفياء ، وزوى عنك اللد الأشقياء { لهو } . ولما كان المقام لإنزال الآية القاهرة ، قدم قوله : { العزيز } أي القادر على كل من قسرهم على الإيمان والانتقام منهم { الرحيم * } في أنه لم يعاجلهم بالنقمة ، بل أنزل عليهم الكتاب ترفقاً بهم ، وبياناً لما يرضاه ليقيم به الحجة على من أريد للهوان ، ويقبل بقلوب من يختصه منهم للإيمان ، قال أبو حيان : والمعنى أنه عز في نقمته من الكفار ، ورحم مؤمني كل أمة - انتهى . ومن هنا شرع سبحانه وتعالى في تمثيل آخر الفرقان في إظهار القدرة بالبطش عند النقمة حيث لم يشكر النعمة بأن أبى المدعو الإجابة لدعوه الرسل ، وترك الداعي - عقب الانقياد من الشدائد - التضرع للمرسل ، وقص أخبار الأمم على ما هي عليه بحيث لم يقدر أحد من أهل الكتاب الذين هم بين ظهرانيهم على إنكار شيء من ذلك ، ومن ثم قرع أسماعهم ، أول شيء بقصتهم من فرعون ، وموسى عليه السلام ، فصح قطعاً أن هذا الكتاب جلي الأمر ، على القدر ، ليس بكهانة ، ولا شعر ، كما سيؤكد ذلك عند إظهار النتيجة في آخرها ، بل هو من عند رب العالمين ، على لسان سيد المرسلين ، وصح أن أكثر الخلق مع ذلك هالك وإن قام الدليل . ووضح السبيل . لأن سلك الذكر في قلوبهم شبيه في الضيق بنظم السهم فيما يرمى به ، وصح أنه سبحانه يملي لهم وينعم عليهم بما فيه حياة أديانهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، وما فيه حياة أبدانهم بالإيتاء من كل ما يحتاجونه إظهاراً لصفة الرحمة . ثم ينتقم منهم بعد طول المهلة ، وتماديهم في سكرات الغفلة ، كشفاً لصفة العزة ، كل ذلك تسلية له صلى الله عليه وسلم وتخفيفاً وإعلاماً بأنه لا قصور في بيانه ، ولا تقصير لديه . ولما اقتضى وصف العزة الإهلاك ، ووصف الرحمة الإمهال ، وكان الأول مقدماً ، وكانت عادتهم تقديم ما هم به أهم ، وهو لهم أعنى ، خيفت غائلته ، فأتبع ذلك أخبار هذه الأمم ، دلالة على الوصفين معاً ترغيباً وترهيباً ، ودلالة على أن الرحمة سبقت الغضب ، وإن قدم الوصف اللائق به ، فلا يعذب إلا بعد البيان مع طول الإمهال ، وأخلى قصة أبيهم إبراهيم عليه السلام من ذكر الإهلاك إشارة إلى البشارة بالرفق ببنيه العرب في الإمهال كما رفق بهم في الإنزال والإرسال ، ولما كان مع ذلك في هذه القصة تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم فيما يقاسيه من الأذى والتكذيب ، وكانت التسلية بموسى وإبراهيم عليهما السلام أتم ، لما لهما من القرب ، والمشاركة في الهجرة ، والقصد إلى الأرض المقدسة ، وكان قد اختص موسى عليه السلام بالكتاب الذي ما بعد القرآن مثله والآيات التي ما أتى بمثلها أجد قبله ، وإقرار عينه بهداية قومه ، وحفظهم بعده بالكتاب ، وسياسة الأنبياء المجددين لشريعته ، وعدم استئصالهم بالعذاب والانتقام بأيديهم من جميع أعدائهم ، وفتح بلاد الكفرة على أيديهم بعده صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك مما شابهوا به هذه الأمة مع مجاورتهم للعرب حتى في دار الهجرة ، وموطن النصرة ، ليكون في إقرارهم على ما يسمعون من أخبارهم أعظم معجزة ، وأتم دلالة ، قدمهما مقدماً لموسى - عليهما السلام ، والتحية والإكرام - فإن كان القصد تسكين ما أورثه آخر تلك من خوف الملازمة بالعذاب نظراً إلى وصف العزة ، فالتقدير : اذكر أثر رحمتنا بطول إمهالنا لقومك - وهم على أشد ما يكون من الكفر والضلال في أيام الجاهلية - برحمتنا الشاملة بإرسالك إليهم وأنت أشرف الرسل ، وإنزال هذا الكتاب الذي هو أعظم الكتب { هو } اذكر { إذ } وعلى تقدير التسلية يكون العطف على تلك لأن المراد بها التنبيه ، فالتقدير : خذ آيات الكتاب واذكر إذ { نادى ربك } أي المحسن إليك بكل ما يمكن الإحسان به في هذه الدار ، وعلى تقدير الترهيب يكون التقدير : أو لم يروا إذ نادى ربك ، وعدّوا رائين لذلك لأن اليهود في بلادهم وفي حد القرب منهم ، فإما أن يكونوا عالمين بالقصة بما سمعوه منهم ، أو متهيئين لذلك لإمكانهم من سؤالهم ؛ ثم ذكر المنادى فقال : { موسى } وأتبعه ما كان له النداء فقال مفسراً لأن النداء في معنى القول : { أن أئت القوم } أي الذين فيهم قوة وأيّ قوة { الظالمين * } أي بوضعهم قوتهم على النظر الصحيح المؤدي للإيمان في غير موضعها .