Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 200-210)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان ذلك محل عجب ، وكان ربما ظن له أن الأمر على غير حقيقته ، قرر مضمونه وحققه بقوله : { كذلك } أي مثل هذا السلك العجيب - الذي هو سماع وفهم ظاهري - في صعوبة مدخله وضيق مدرجه . ولما لم يكن السياق مقتضياً لما اقتضاه سياق الحجر من التأكيد ، اكتفى بمجرد الحدوث فقال : { سلكناه } أي كلامنا والحق الذي أرسلنا به رسلنا بما لنا من العظمة ، في قلوبهم - هكذا كان الأصل ، ولكنه علق الحكم بالوصف ، وعم كل زمن وكل من اتصف به فقال : { في قلوب المجرمين * } أي الذين طبعناهم على الإجرام ، وهو القطيعة لما ينبغي وصله ، كما ينظم السهم إذا رمي به ، أو الرمح إذا طعن به في القلب ، لا يتسع له ، ولا ينشرح به ، بل تراه ضيقاً حرجاً . ولما كان هذا المعنى خفياً ، بينه بقوله : { لا يؤمنون به } أي من أجل ما جبلوا عليه من الإجرام ، وجعل على قلوبهم من الطبع والختام { حتى يروا العذاب الأليم * } فحينئذ يؤمنون حيث لا ينفعهم الإيمان ويطلبون الأمان حيث لا أمان . ولما كان إتيان الشر فجاءة أشد . وكان أخذه لهم عقب رؤيتهم له من غير مهلة يحصل فيها نوع استعداد أصلاً ، دل على ذلك مصوراً لحاله بقوله دالاًّ بالفاء على الأشدية والتعقيب : { فيأتيهم بغتة } . ولما كان البغت الإتيان على غفلة ، حقق ذلك نافياً للتجوز بقوله : { وهم لا يشعرون * } ودل على تطاوله في محالهم ، وجوسه لخلالهم ، وتردده في حلالهم ، بقوله دالاًّ على ما هو أشد عليهم من المفاجأة بالإهلاك : { فيقولوا } أي تأسفاً واستسلاماً وتلهفاً في تلك الحالة لعلمهم بأنه لا طاقة به بوجه : { هل نحن منظرون * } أي مفسوح لنا في آجالنا لنسمع ونطيع . ولما حقق أن حالهم عند الأخذ الجؤار بالذل والصفار به ، تسبب عنه ما يستحقون باستعجاله من الإنكار في قوله ، منبهاً على أن قدره يفوق الوصف بنون العظمة : { أفبعذابنا } أي وقد تبين لهم كيف كان أخذه للأمم الماضية ، والقرون الخالية ، والأقوام العاتية ! { يستعجلون * } أي بقولهم : أمطر علينا حجارة من السماء ، أسقط السماء علينا كسفاً ، ائت بالله والملائكة قبيلاً ، كما قال هؤلاء الذين قصصنا أمرهم ، وتلونا ذكرهم { فأسقط علينا كسفاً من السماء } ونحو ذلك . ولما تصورت حالة مآبهم ، في أخذهم بعذابهم ، وكان استعجالهم به يتضمن الاستخفاف والتكذيب والوثوق بأنهم ممتعون ، وتعلق آمالهم بأن تمتيعهم بطول زمانه ، وكان من يؤذونه يتمنى لو عجل لهم ، سبب عن ذلك سبحانه سؤال داعيهم مسلياً ومؤسياً ومعزياً فقال : { أفرأيت } أي هب أن الأمر كما يعتقدون من طول عيشهم في النعيم فأخبرني { إن متعناهم } أي في الدنيا برغد العيش وصافي الحياة . ولما كانت حياة الكافر في غاية الضيق والنكد وإن كان في أصفى رغد ، عبر بما يدل على القحط بصيغة القلة وإن كان السياق يدل على أنها للكثرة فقال : { سنين ثم جاءهم } أي بعد تلك السنين المتطاولة ، والدهور المتواصلة { ما كانوا يوعدون * } أي مما طال إنذارك إياهم به وتحذيرك لهم منه على غاية التقريب لهم والتمكين في إسماعهم ، أخبرني { ما } أي أيّ شيء { أغنى عنهم } أي فيما أخذهم من العذاب { ما كانوا } أي كوناً هو في غاية المكنة وطول الزمان { يمتعون * } تمتيعاً هو في غاية السهولة عندنا ، وصوره بصورة الكائن تنديماً عليه ، والمعنى أنه ما أغنى عنهم شيئاً لأن عاقبته الهلاك ، وزادهم بعداً من الله وعذابه بزيادة الآثام الموجبة لشديد الانتقام . ولما كان التقدير : لم يغن عنهم شيئاً لأنهم ما أخذوا إلا بعد إنذار المنذرين ، لمشافهتك إياهم به ، وسماعهم لمثل ذلك عمن مضى قبلهم من الرسل ، عطف عليه قوله : { وما أهلكنا } أي بعظمتنا ، واعلم بالاستغراق بقوله : { من قرية } أي من القرى السالفة ، بعذاب الاستئصال { إلا لها منذرون * } رسولهم ومن تبعه من أمته ومن سمعوا من الرسل بأخبارهم مع أممهم من قبل ، وأعراها من الواو لأن الحال لم يقتض التأكيد كما في الحجر ، لأن المنذرين مشاهدون . وإذا تأملت آيات الموضعين ظهر لك ذلك ؛ ثم علل الإنذار بقوله : { ذكرى } أي تنبيهاً عظيماً على ما فيه من النجاة ، وتذكيراً بأشياء يعرفونها بما أدت إليه فطر عقولهم ، وقادت إليه بصائر قلوبهم ، وجعل المنذرين نفس الذكرى كما قال تعالى { قد أنزل الله إليكم ذكراً رسولاً } [ الطلاق : 10 ] وذلك إشارة إلى إمعانهم في التذكير حتى صاروا إياه . ولما كان التقدير : فما أهلكنا قرية منها إلا بالحق ، عطف عليه قوله : { وما كنا } أو الواو للحال من نون { أهلكنا } { ظالمين * } أي في إهلاك شيء منها لأنهم كفروا نعمتنا ، وعبدوا غيرنا ، بعد الإعذار إليهم ، ومتابعة الحجج ، ومواصلة الوعيد . ولما أخبر سبحانه أن غاية إنزال هذا القرآن كونه صلى الله عليه وسلم من المنذرين ، وأتبع ذلك ما لاءمه حتى ختم بإهلاك من كذب المنذرين ، عطف على قوله : { نزل به الروح } قوله إعلاماً بأن العناية شديدة في هذا السياق بالقرآن لتقرير أنه من عند الله ونفى اللبس عنه بقوله : { وما تنزلت به } أي القرآن { الشياطين * } أي ليكون سحراً أو كهانة أو شعراً أو أضغاث أحلام كما يقولون .