Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 35-44)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما أوقفهم بما خيلهم به ، أحماهم لأنفسهم فقال ملقياً لجلباب الأنفة لما قهره من سلطان المعجزة : { يريد أن يخرجكم من أرضكم } أي هذه التي هي قوامكم { بسحره } أي بسبب ما أتى به منه ، فإنه يوجب استتباع الناس فيتمكن مما يريد بهم ؛ ثم قال لقومه - الذين كان يزعم أنهم عبيده وأنه إلههم - ما دل على أنه خارت قواه ، فحط عن منكبيه كبرياء الربوبية ، وارتعدت فرائصه حتى جعل نفسه مأموراً بعد أن كان يدعي كونه آمراً بل إلهاً قادراً : { فماذا تأمرون * } أي في مدافعته عما يريد بنا { قالوا } أي الملأ الذين كانوا يأتمرون به قبل الهجرة ليقتلوه : { أرجه } أي أخره { وأخاه } ولم يأمروا بقتله ولا بشيء مما يقاربه - فسبحان من يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده فيهابه كل شيء ولا يهاب هو غير خالقه { وابعث في المدائن حاشرين * } أي رجالاً يحشرون السحرة ، وأصل الحشر الجمع بكرة { يأتوك } وكأنهم فهموا شدة قلقه فسكنوه بالتعبير بأداة الإحاطة وصيغة المبالغة فقالوا : { بكل سحار } أي بليغ السحر { عليم * } أي متناه في العلم به بعد ما تناهى في التجربة ؛ وعبر بالبناء للمفعول إشارة إلى عظمة ملكه فقال : { فجمع } أي بأيسر أمر لما له عندهم من العظمة { السحرة } كما تقدم غير مرة { لميقات يوم معلوم * } في زمانه ومكانه ، وهو ضحى يوم الزينة كما سلف في طه ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه وافق يوم السبت في أول يوم من سنتهم ، وهو يوم النيروز . { وقيل } أي بقول من يقبل لكونه عن فرعون { للناس } أي كافة حثاً لهم على الإسراع إلى الاجتماع بأمر فرعون ، وامتحاناً لهم هل رجعوا عن دينه ، علماً منه بأن ما ظهر من المعجزة - التي منها عجزه عن نوع أذى لمن واجهه بما لا مطمع في مواجهته بأدناه - لم يدع لبساً في أنه مربوب مقهور ، وأن ذلك موجب لا تباع موسى عليه السلام : { هل أنتم مجتمعون * } أي اجتماعاً أنتم راسخون فيه لكونه بالقلوب كما هو بالأبدان ، كلكم ليكون أهيب لكم ، وزين لهم هذا القائل البقاء على ما كانوا عليه من الباطل بذكر جانب السحرة وإن كان شرط فيه الغلبة ، ولم يسمح بذكر جانب موسى عليه السلام فقال : { لعلنا نتبع السحرة } لأن من امتثل أمر الملك كان حاله حال من يرجى منه اتباع حزبه { إن كانوا هم } أي خاصة { الغالبين * } أي غلبة لا يشك في أنها ناشئة عن مكنة نعرض عن أمر موسى الذي الذي تنازع الملك في أمره ، وهذا مرادهم في الحقيقة ، وعبر بهذا كناية عنه لأنه أدل على عظمة الملك ، وعبر بأداة الشك إظهاراً للإنصاف ، واستجلاباً للناس ، مع تقديرهم لقطعهم بظفر السحرة . لما رسخ في أذهانهم في الأزمنة المتطاولة من الضلال الذي لا غفلة لإبليس عن تزيينه مع أن تغيير المألوف أمر في غاية العسر . وقال : { فلما } بالفاء إيذاناً بسرعة حشرهم ، إشارة إلى ضخامة ملكه . ووفور عظمته { جاء السحرة } أي الذين كانوا في جميع بلاد مصر { قالوا لفرعون } مشترطين الأجر في حال الحاجة إلى الفعل ليكون ذلك أجدر بحسن الوعد ، ونجاح القصد { أئِنََّ لنا لأجراً } وساقوه مساق الاستفهام أدباً معه ، وقالوا : { إن كنا } أي كوناً نحن راسخون فيه { نحن } خاصة { الغالبين * } بأداة الشك مع جزمهم بالغلبة تخويفاً له بأنه إن لم يحسن في وعدهم لم ينصحوا له ؛ ثم قيل في جواب من كأنه سأل عن جوابه : { قال } مجيباً إلى ما سألوه : { نعم } أي لكم ذلك ، وزادهم ما لا أحسن منه عند أهل الدنيا مؤكداً له فقال : { وإنكم إذاً } أي إذا غلبتم { لمن المقربين * } أي عندي ، وزاد { إذاً } هنا زيادة في التأكيد لما يتضمن ذلك من إبعاده عن الإيمان من وضوح البرهان ، تخفيفاً على المخاطب بهذا كله صلى الله عليه وسلم ، تسلية له في الحمل على نفسه أن لا يكون من يدعوهم مؤمنين ، وما بعد ذلك من مسارعة السحرة للإيمان - بعد ما ذكر من إقسامهم بعزته بغاية التأكيد - تحقيق لآية { فظلت أعناقهم لها خاضعين } . ولما تشوف السامع إلى جواب نبي الله تعالى موسى عليه الصلاة والسلام أجيب بقوله : { قال لهم موسى } عليه السلام ، أي مريداً لإبطال سحرهم لأنه لا يتمكن منه إلا بإلقائهم ، لا لمجرد إلقائهم ، غير مبال بهم في كثرة ولا علم بعد ما خيروه - كما في غير هذه السورة : { ألقوا ما أنتم ملقون * } كائناً ما كان ، ازدراء له بالنسبة إلى أمر الله { فألقوا } أي فتسبب عن قول موسى عليه السلام وتعقبه أن ألقوا { حبالهم وعصيهم } التي أعدوها للسحر { وقالوا } مقسمين : { بعزة فرعون } مؤكدين بأنواع التأكيد { إنا لنحن } أي خاصة لا نستثني { الغالبون * } قول واثق من نفسه مزمع على أن لا يدع باباً من السحر يعرفه إلا أتى به ، فكل من حلف بغير الله كأن يقول : وحياة فلان ، وحق رأسه - ونحو ذلك ، فهو تابع لهذه الجاهليه .