Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 26-34)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما وبخ اللعين في جوابه ، وكان ربما ادعى أن الخافقين وما بينهما من الفضاء غير مخلوق ، فتشوف السامع إلى جواب يلزمه ، استأنف الشفاء لعيّ هذا السؤال بقوله : { قال } أي موسى ، مخصصاً بعد ما عمم بشيء لا تمكن المنازعة فيه لمشاهدة وجود أفراده بعد أن لم تكن : { ربكم } أي الموجد لكم والمربي والمحسن { ورب آبائكم الأولين * } وفرعون - الذي تقرون بأنه ربكم - كان إذ ذاك عدماً محضاً ، أو ماء صرفاً في ظهر أبيه ، فبطل كون أحد منهم رباً لمن بعده كما بطل كون أحد ممن قبلهم من الهالكين ربّاً لهم ، لأن الكل عدم . فلما أوضح بذلك بطلان ما حملهم على اعتقاده من ربوبيته لم يتمالك أن { قال إن رسولكم } على طريق التهكم ، إشارة إلى أن الرسول ينبغي أن يكون أعقل الناس ، ثم زاد الأمر وضوحاً بقوله : { الذي أرسل إليكم } أي وأنتم أعقل الناس { لمجنون } حيث لا يفهم أني أساله عن حقيقة مرسله فكف يصلح للرسالة من الملوك . فلما أساء الأدب ، فاشتد تشوف السامع إلى معرفة جوابه عنه ، استأنف تعالى الإخبار بذلك ، فحكى أنه ذكر له ما لا يمكنه أن يدعي طاعته له ، وهو أكثر تغيراً وأعجب تنقلاً بأن { قال رب المشرق والمغرب } أي الشروق والغروب ووقتهما وموضعهما { وما بينهما } أي من الناس الذين ليسوا في طاعتكم ، والحيوان والجماد ، بسبب ما ترون من قدرته على تقليب النيرات من بزوغ الشمس والقمر والنجوم وأفولها وما يظهر عنهما من الليل والنهار على تصاريف مختلفة ، وحركات متقاربة لو لا هي لما علمتم شيئاً من أموركم ، ولا تمكنتم من أحوالكم ، وهذا الدليل أبين الكل لتكرر الحركة فيه وغير ذلك من معالمه ، ولذلك بهت نمرود لما ألقاه عليه الخليل عليه الصلاة والسلام . ولما دعاه صلى الله عليه وسلم باللين فأساء الأدب عليه في الجواب الماضي ، ختم هذا البرهان بقوله : { إن كنتم تعقلون } أي فأنتم تعلمون ذلك ، فخيرهم بين الإقرار بالجنون أو العقل ، بما أشار إليه من الأدلة في مقابلة ما نسبوه إليه من الجنون بسكوتهم وقول عظيمهم بغير شبهة ، رداً لهم عن الضلالة ، وإنقاذاً من واضح الجهالة ، فكان قوله أنكأ مع أنه ألطف ، وأوضح مع أنه أستر وأشرف . فلما علم أنه قد قطعه بما أوضح من الأمر ، ووصل معه في الغلظة إلى ما إن سكت عنه أوهن من حاله ، وفتر من عزائم رجاله ، تكلم بما السكوت أولى منه ، فأخبر تعالى بقوله : { قال } عادلاً عن الحجاج بعد الخوض فيه إلى المغالبة التي هي أبين علامات الانقطاع : { لئن اتخذت إلهاً غيري } أي تعمدت أخذه وأفردته بتوجيه جميع قصدك إليه { لأجعلنك من المسجونين } أي واحداً ممن هم في سجوني على ما تعلم من حالي في اقتداري ، ومن سجوني في فظاعتها ، ومن حال من فيها من شدة الحصر ، والغلظ في الحجر { قال } مدافعاً بالتي هي أحسن إرخاء للعنان ، لإرادة البيان ، حتى لا يبقى عذر لإنسان ، رجاء النزوع عن الطغيان ، والرجوع إلى الإيمان ، لأن من العادة الجارية السكون إلى الإنصاف ، والرجوع إلى الحق والاعتراف { أولو } أي أتسجنني ولو { جئتك بشيء مبين * } أي لرسالتي { قال } طمعاً في أن يجد موضعاً للتكذيب أو التلبيس : { فأت به } أي تسبب عن قولك هذا أني أقول لك : ائت بذلك الشيء { إن كنت } أي كوناً أنت راسخ فيه { من الصادقين * } أي فيما ادعيت من الرسالة والبينة ، وهذا إشارة إلى أنه بكلامه المتقدم قد صار عنده في غير عدادهم ، ولزم عليه أنه لا يأتي بالمعجزة إلا الصادق لأنها تصديق من الله للمدعي ، وعادته سبحانه وتعالى جارية في أنه لا يصدق الكاذب { فألقى } أي فتسبب عن ذلك وتعقبه أن ألقى . ولما كان الكلام مع موسى عليه السلام ، فكان إضماره غير ملبس ، لم يصرح باسمه اكتفاء بضميره فقال : { عصاه } أي التي تقدم في غير سورة أن الله تعالى أراه آياتها { فإذا هي ثعبان } أي حية في غاية الكبر { مبين * } أي ظاهر الثعبانية ، لا شك عند رائية فيه ، لا كما يكون عند الأمور السحرية من التخييلات والتشبيهات { ونزع يده } أي التي كانت احترقت لما أخذ الجمرة وهو في حجر فرعون ، وبذل فرعون جهده في علاجها بجميع من قدر عليه من الأطباء فعجز عن إبرائها ، نزعها من جيبه بعد أن أراه إياها على ما يعهده منها ثم أدخلها في جيبه { فإذا هي } بعد النزع { بيضاء للناظرين * } أي بياضاً تتوفر الدواعي على نظره لخروجه عن العادة بأن له نوراً كنور الشمس يكاد يغشي الأبصار { قال } أي فرعون { للملأ حوله } لما وضح له الأمر ، يموه على عقولهم خوفاً من إيمانهم : { إن هذا لساحر عليم * } أي شديد المعرفة بالسحر ، وخص في هذه السورة إسناداً هذا الكلام إليه لأن السياق كله لتخصيصه الخطاب لما تقدم ، ونظراً إلى { فظلت أعناقهم لها خاضعين } لأن خضوعه هو خضوع من دونه ، فدلالته على ذلك أظهر ، ولا ينفي ذلك أن يكون قومه قالوه إظهاراً للطواعية - كما مضى في الأعراف .