Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 88-100)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما نبه على أن المقصود هو الآخرة ، صرح بالتزهيد في الدنيا بتحقير أجل ما فيها فقال : { يوم لا ينفع } أي أحداً { مال } أي يفتدي به أو يبذله لشافع أو ناصر مقاهر { ولا بنون * } ينتصر بهم أو يعتضد فكيف بغيرهم { إلا من أتى الله } أي الملك الأعظم الذي له الغنى المطلق في هذا الموطن { بقلب سليم * } أي عن مرض غيّره عن الفطرة الأولى التي فطره الله عليها ، وهي الإسلام الذي رأسه التوحيد ، والاستقامة على فعل الخير ، وحفظ طريق السنة كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ليس فيها من جدعاء فإن { المال والبنون } ينفعانه بما تصرف فيهما من خير ، والاستثناء مفرغ ، والظاهر أن قوله { وأزلفت } أي قربت بأيسر وجه حال من واو " يبعثون " { الجنة للمتقين * } وعرف أهل الموقف أنها لهم خاصة تعجيلاً لسرورهم وزيادة في شرفهم { وبرزت } أي كشفت كشفاً عظيماً سهلاً { الجحيم } أي النار الشديدة التأجج ، وأصلها نار عظيمة في مهواة بعضها فوق بعض { للغاوين * } أي الضالين الهالكين بحيث عرف أهل الموقف أنها لهم { وقيل لهم } تبكيتاً وتنديماً وتوبيخاً ، وأبهم القائل ليصلح لكل أحد ، تحقيراً لهم ، ولأن المنكىء نفس القول لا كونه من معين : { أين ما كنتم } بتسلك الأخلاق التي هي كالجبلات { تعبدون * } أي في الدنيا على سبيل التجديد والاستمرار . وحقر معبوداتهم بقوله : { من دون } أي من أدنى رتبة من رتب { الله } أي الملك الذي لا كفوء له ، وكنتم تزعمون أنهم يشفعون لكم ويقونكم شر هذا اليوم { هل ينصرونكم } فيمنعون عنكم ما برز لكم { أو ينتصرون * } أي هم بالدفع عن أنفسهم . ولما تسبب عن هذا التبريز والقول إظهار قدرته تعالى وعجزهم بقذفهم فيها قال : { فكبكبوا } أي الأصنام ونحوها ، قلبوا وصرعوا ورموا ، قلباً عظيماً مكرراً سريعاً من كل من أمره الله بقلبهم بعد هذا السؤال ، إظهاراً لعجزهم بالفعل حتى عن الجواب قبل الجواب { فيها } أي في مهواة الجحيم قلباً عنيفاً مضاعفاً كثيراً بعضهم في أثر بعض { هم } أي الأصنام وما شابهها مما عبد من الشاطين ونحوهم { والغاوون * } أي الذي ضلوا بهم { وجنود إبليس } من شياطين الإنس والجن { أجمعون * } . ولما علم بهذا أنهم لم يتمكنوا من قول في جواب استفامهم توبيخاً ، وكان من المعلوم أن الإنسان مطبوع على أن يقول في كل شيء ينوبه ما يثيره له إدراكه مما يرى أنه يبرد من غلته ، وينفع من علته ، تشوف السامع إلى معرفة قولهم بعد الكبكبة ، فأشير إلى ذلك بقوله : { قالوا } أي العبدة { وهم فيها } أي الجحيم { يختصمون } أي مع المعبودات : { تالله } أي الذي له جميع الكمال { إن كنا لفي ضلال مبين * } أي ظاهر جداً لمن كان له قلب { إذ } أي حين { نسويكم } في الرتبة { برب العالمين * } أي الذين فطرهم ودبرهم حتى عبدناكم { وما أضلنا } أي ذلك الضلال المبين عن الطريق البين { إلا المجرمون * } أي العريقون في صفة الإجرام ، المقتضي لقطع كل ما ينبغي أن يوصل { فما } أي فتسبب عن ذلك أنه ما { لنا } اليوم ؛ وزادوا في تعميم النفي بزيادة الجارّ فقالوا : { من شافعين * } يكونون سبباً لإدخالنا الجنة ، لأنا صرفنا ما كان يجب علينا لذي الأمر إلى من لا أمر له ؛ ولعله لم يفرد الشافع لأنهم دخلوا في الشفاعة العظمى .