Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 101-107)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان الصديق قد لا يكون أهلاً لأن يشفع ، قالوا تأسفاً على أقل ما يمكن : { ولا صديق } أي يصدق في ودنا ليفعل ما ينفعنا . ولما كان أصدق الصداقة ما كان من القريب قال : { حميم * } أي قريب ، وأصله المصافي الذي يحرقه ما يحرقك ، لأنا قاطعنا بذلك كل من له أمر في هذا اليوم ؛ وأفرد تعميماً للنفي وإشارة إلى قلته في حد ذاته أو عدمه . ولما وقعوا في هذا الهلاك ، وانتفى عنهم الخلاص ، تسبب عنه تمنيهم المحال فقالوا : { فلو أن لنا كرة } أي رجعة إلى الدنيا { فنكون من المؤمنين * } أي الذين صار الإيمان لهم وصفاً لازماً ، فأزلفت لهم الجنة . ولما كان في هذه القصة أعظم زاجر عن الشرك ، وآمر بالإيمان ، نبه على ذلك بقوله : { إن في ذلك } أي هذا الأمر العظيم الذي قصصته ن قول إبراهيم عليه السلام في إقامة البرهان على إبطال الأوثان ، ونصب الدليل على أنه لا حق إلا الملك الجليل الديان ، وترغيبه وترهيبه وإرشاده إلى التزود في أيام المهلة { لآية } أي عظيمة على بطلان الباطل وحقوق الحق { وما } أي والحال أنه ما { كان أكثرهم } أي الذين شهدوا منه هذا الأمر العظيم والذين سمعوه عنه { مؤمنين * } أي بحيث صار الإيمان صفة لهم ثابتة ، وفي ذلك أعظم تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم بأعظم آبائه عليهم الصلاة والسلام { وإن ربك } أي المحسن إليك بإرسالك وهداية الأمة بك { لهو العزيز } أي القادر على إيقاع النقمة بكل من خالفه حين يخالفه { الرحيم * } أي الفاعل فعل الراحم في إمهاله العصاة مع إدرار النعم ، ودفع النقم ، وإرسال الرسل ، ونصب الشرائع ، لبيان ما يرضاه ليتبع ، وما يسخطه ليتجنب ، فلا يهلك إلا بعد إقامة الحجة بإيضاح المحجة . ولما أتم سبحانه قصة الأب الأعظم الأقرب ، أتبعها - دلالة على وصفي العزة والرحمة - قصة الأب الثاني ، مقدماً لها على غيرها ، لما له من القدم في الزمان ، إعلاماً بأن البلاء قديم ، ولأنها أدل على صفتي الرحمة والنقمة التي هي أثر العزة بطول الإملاء لهم على طول مدتهم ، ثم تعميم النقمة مع كونهم جميع أهل الأرض فقال : { كذبت } بإثبات التاء اختياراً للتأنيث - وأن كان تذكير القوم أشهر - للتنبيه على أن فعلهم أخس الأفعال ، أو إلى أنهم مع عتوهم وكثرتهم كانوا عليه سبحانه أهون شيء وأضعفه بحيث جعلهم هباء منثوراً وكذا من بعدهم { قوم نوح } وهو أهل الأرض كلهم من الآدميين قبل اختلاف الأمم بتفرق اللغات { المرسلين * } أي بتكذيبهم نوحاً عليه السلام ، لأنه أقام الدليل على نبوته بالمعجزة ، ومن كذب بمعجزة واحدة فقد كذب بجميع المعجزات لتساوي أقدامها في الدلالة على صدق الرسول ، وقد سئل الحسن البصري رحمه الله تعالى عن ذلك فقال : من كذب واحداً من الرسل فقد كذب الكل لأن الآخر جاء بما جاء به الأول - حكاه عنه البغوي . ولقصد التسلية عبر بالتكذيب في كل قصة { إذ } أي حين { قال لهم } لم يتأنوا بطلب دليل ، ولا ابتغاء وجه جميل ؛ وأشار إلى نسبه فيهم بقوله : { أخوهم } زيادة في تسلية هذا النبي الكريم { نوح } وأشار إلى حسن أدبه ، واستجلابهم برفقه ولينه ، بقوله : { ألا تتقون * } أي تكون لكم تقوى ، وهي خوف يحملكم على أن تجعلوا بينكم وبين سخطه وقاية بطاعته بالتوحيد وترك الالتفات إلى غيره ؛ ثم علل أهليته للأمر عليهم بقوله : { إني لكم } أي مع كوني أخاكم يسوءني ما يسوءكم ويسرني ما يسركم { رسول } أي من عند خالقكم ، فلا مندوحة لي عند إبلاغ ما أمرت به { أمين * } أي لا غش عندي كما تعلمون ذلك مني على طول خبرتكم بي ، ولا خيانة في شيء من الأمانة ، فلذلك لا بد لي من إبلاغ جميع الرسالة .