Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 41-44)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما قدم - كما هو دأب الصالحين - الشكر ، علم أنه يفعل في العرش ما لأجله أحضره ، تشوفت النفس إليه فأجيبت بقوله : { قال } أي سليمان عليه السلام : { نكروا لها عرشها } أي بتغيير بعض معالمه وهيئته اختباراً بعقلها كما اختبرتنا هي بالوصفاء والوصائف والدرة وغير ذلك ، وإليه الإشارة بقوله : { ننظر أتهتدي } أي إلى معرفته فيكون ذلك سبباً لهدايتها في الدين { أم تكون من الذين } شأنهم أنهم { لا يهتدون * } أي بل هم في غاية الغباوة ، لا يتجدد لهم اهتداء ، بل لو هدوا لوقفوا عند الشبه ، وجادلوا بالباطل وما حلوا ، وأشار إلى سرعة مجيئها إشارة إلى خضوعها بالتعبير بالفاء في قوله : { فلما جاءت } وكان مجيئها - على ما قيل - في اثنى عشر ألف قيل من وجوه اليمن ، تحت يد كل قيل ألوف كثيرة ، وكانت قد وضعت عرشها داخل بيت منيع ، ووكلت به حراساً أشداء { قيل } أي لها وقد رأت عرشها بعد تنكيره بتقليب نصبه وتغييره ، من قائل لا يقدر على السكوت عن جوابه لما نالها من الهيبة وخالطها من الرعب من عظيم ما رأت ، فقرعها بكلمة تشمل على أربع كلمات : هاء التنبيه ، وكاف التشبيه ، واسم الإشارة ، مصدرة بهمزة الاستفهام ، أي تنبهي { أهكذا } أمثل ذا العرش { عرشك قالت } عادلة عن حق الجواب من " نعم " أو " لا " إشارة إلى أنها غلب على ظنها أنه هو بعينه كما قالوا في " كأن زيداً قائم " : { كأنه هو } وذلك يدل على ثبات كبير ، وفكر ثاقب ، ونظر ثابت ، وطبع منقاد ، لتجويز المعجزات والإذعان لها مع دهشة القدوم ، واشتغال الفكر بما دهمها من هيبته وعظيم أمره ، فعلم سليمان عليه السلام رجاحة عقلها وبطلان ما قال الشياطين من نقصه خوفاً من أن يتزوجها فتفشي عليه أسرار الجن لأن أمها كانت جنية - على ما قيل ، وقالوا : إن رجلها كحافر الحمار ، وإنها كثيرة الشعر جداً . ولما كانت مع ذلك قد شبه عليها ولم تصل إلى حاق الانكشاف مع أنها غلبت على عرشها مع الاحتفاظ عليه ، استحضر صلى الله عليه وسلم ما خصه الله به من العلم زيادة في حثه على الشكر ، فقال عاطفاً على ما تقديره : فأوتيت من أمر عرشها علماً ، ولكنه يخالجه شك ، فدل على أنها في الجملة من أهل العلم المهيئي للهداية ، أو يكون التقدير بما دل عليه ما يلزم من قولها { كأنه } : فجهلت أمر عرشها على كثرة ملابستها له : { وأوتينا } معبراً بنون الواحد المطاع ، لا سيما والمؤتى سبب لعظمة شرعية ، وهو العلم الذي لا يقدر على إيتائه غير الله ، ولذلك بني الفعل للمفعول لأن فاعله معلوم { العلم } أي بجميع ما آتانا الله علمه ، ومنه أنه يخفى عليها { من قبلها } أي من قبل إتيانها ، بأن عرشها يشتبه عليها ، أو من قبل علمها بما ظنت من أمر عرشها ، أو أنا وأسلافي من قبل وجودها ، فنحن عريقون في العلم ، فلذلك نحن على حقيقة من جميع أمورنا ، وإنما قال : { ننظر أتهتدي } بالنسبة إلى جنوده . ثم ذكر السبب في وجود العلم واتساعه وثباته فقال : { وكنا } أي مع العلم الذي هيأنا الله له بما جعل في غرائزنا من النورانية { مسلمين * } أي خاضعين لله تعالى عريقين في ذلك مقبلين على جميع أوامره بالفعل على حسب أمره كما أشار إليه قوله تعالى : { واتقوا الله ويعلمكم الله } [ البقرة : 282 ] ، { يهديهم ربهم بإيمانهم } [ يونس : 9 ] . ولما كان المعنى : وأما هي فإنها وإن أوتيت علماً فلم يكن ثابتاً ، ولا كان معه دين ، ترجمه بقوله : { وصدها } أي هي عن كمال العلم كما صدها عن الدين { ما } أي المعبود الذي { كانت } أي كوناً ثابتاً في الزمن الماضي { تعبد } أي عبادة مبتدئة { من دون الله } أي غير الملك الأعلى الذي له الكمال كله أو أدنى رتبة من رتبته ، وهي عبادة الشمس ليظهر الفرق بين حزب الله الحكيم العليم وحزب إبليس السفيه الجهول . ثم علل ذلك إشارة إلى عظيم نعمة الله عليه بالنعمة على أسلافه بقوله : { إنها } وقرىء بالفتح على البدل من فاعل " صد " { كانت من قوم } أي ذوي بطش وقيام { كافرين * } أي فكان ذلك سبباً - وإن كانت في غاية من وفور العقل وصفاء الذهن وقبول العلم كما دل عليه ظنها في عرشها ، ما يهتدي له إلا من عنده قابلية الهدي - في اقتفائها لآثارهم في الدين ، فصديت مرآة فكرها ونبت صوارم عقلها . ولما تم ذلك ، كان كأنه قيل : هل كان بعد ذلك اختبار ؟ فقيل : نعم ! { قيل لها } أي من قائل من جنود سليمان عليه السلام ، فلم تمكنها المخالفة لما هناك من الهيبة بالملك والنبوة والدين : { ادخلي الصرح } وهو قصر بناه قبل قدومها ، وجلس في صدره ، وجعل صحنه من الزجاج الأبيض الصافي ، وأجرى تحته الماء ، وجعل فيه دواب البحر ، وأصله - كما قال في الجمع بين العباب والمحكم : بيت واحد يبني منفرداً ضخماً طويلاً في السماء ، قال : وقيل : كل بناء متسع مرتفع ، وقيل : هو القصر ، وقيل : كل بناء عال مرتفع ، والصرح : الأرض المملسة ، وصرحة الدار ساحتها . ودل على مبادرتها لامتثال الأمر وسرعة دخولها بالفاء فقال : { فلما رأته } وعبر بما هو من الحسبان دلالة على أن عقلها وأن كان في غاية الرجاحة ناقص لعبادتها لغير الله فقال : { حسبته } أي لشدة صفاء الزجاج واتصال الماء بسطحه الأسفل { لجة } أي غمرة عظيمة من ماء ، فعزمت على خوضها إظهاراً لتمام الاستسلام { وكشفت عن ساقيها } أي لئلا تبتل ثيابها فتحتاج إلى تغييرها قبل الوصول إلى سليمان عليه السلام ، فرآها أحسن الناس ساقاً وقدماً غير أنها شعراء . ولما حصل مراده ، استؤنف الإخبار عن أمره بعده فقيل : { قال } مبيناً لعظم عقله وعلمه ، وحكمته وقدرته ، مؤكداً لأنه لشدة اشتباهه بجودة المادة وتناهي حسن الصنعة وإحكامها لا يكاد يصدق أنه حائل دون الماء : { إنه } أي هذا الذي ظننته ماءاً { صرح } أي قصر { ممرد } أي مملس ، وأصل المرودة : الملامة والاستواء { من } أي كائن من { قوارير * } أي زجاج ليتصف بشفوفة الماء فيظن أنه لا حائل دونه ، فلما رأت ما فضله الله به من العلم ، المؤيد بالحكمة ، المكمل بالوقار والسكينة ، المتمم بالخوارق ، بادرت إلى طاعته علماً بأنه رسول الله ، فاستأنف تعالى الإخبار عن ذلك بقوله : { قالت } مقبلة على من آتاه ، للاستمطار من فضله ، والاستجداء من عظيم وبله : { رب } أي أيها المحسن إليّ { إني ظلمت نفسي } أي بما كنت فيه من العمى بعبادة غيرك عن عبادتك { وأسلمت } أي ليظهر عليّ ثمرات الإسلام . ولما ذكرت هذا الأساس الذي لا يصح بناء طاعة إلا عليه ، أتبعته الداعي الذي لا تتم ثمرات الأعمال المؤسسة عليه إلا بحبه ، والإذعان له ، والانقياد والاعتراف بالفضل ، وبهدايته إلى ما يصلح منها وما لا يصلح على الوجوه التي لا تقوم إلا بها من الكميات والكيفيات . فقالت : { مع سليمان } . ولما ذكر صفة الربوبية الموجبة للعبادة بالإحسان ، ذكرت الاسم الأعظم الدال على ذات المستجمع للصفات الموجبة للإلهية للذات فقالت : { لله } أي مقرة له بالألوهية والربوبية على سبيل الوحدانية . ثم رجعت إشارة إلى العجز عن معرفة الذات حق المعرفة إلى الأفعال التي هي بحر المعرفة فقالت : { رب العالمين * } فعمت بعد أن خصت إشارة إلى الترقي من حضيض دركات العمى إلى أوج درجات الهدى ، فلله درها ما أعلمها ! وأطيب أعراقها وأكرمها ! ويقال : أن سليمان عليه السلام تزوجها واصطنع الحمام - وهو أول من اتخذه - وأذهب شعرها بالنورة .