Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 50-58)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان هذا منهم عمل من لا يظن أن الله عالم به ، قال تعالى محذراً أمثالهم عن أمثال ذلك : { ومكروا مكراً } أي ستروا ستراً عظيماً أرادوا به الشر بهذه المساومة على المقاسمة ، فكان مكرهم الذي اجتهدوا في ستره لدينا مكشوفاً وفي حضرتنا معروفاً وموصوفاً ، فشعرنا بل علمنا به فأبطلناه { ومكرنا مكراً } أي وجزينانهم على فعلهم بما لنا من العظمة شيئاً هو المكر في الحقيقة فإنه لا يعلمه أحد من الخليقة ، ولذلك قال : { وهم } أي مع اعتنائهم بالفحص عن الأمور . والتحرز من عظائم المقدور { لا يشعرون * } أي لا يتجدد لهم شعور بما قدرناه عليهم بوجه ما ، فكيف بغيرهم ، وذلك أنا جعلنا تدميرهم في تدبيرهم ، فلم يقدروا على إبطاله ، فأدخلناهم في خبر كان ، لم يفلت منهم إنسان ، وأهلكنا جميع الكفرة من قومهم في أماكنهم مساكنهم أو غير مساكنهم ، وأما مكرهم فكانوا على اجتهادهم في إتقانه وإحكام شأنه ، قد جوزوا فيه سلامة بعض من يقصدونه بالإهلاك ، فشتان بين المكرين ، وهيهات هيهات لما بين الأمرين ، وقد ظهر أن الآية إما احتباك أو شبيهة به : عدم الشعور دال على حذف عدم الإبطال من الثاني ، وعلى حذف الشعور والإبطال الذي هو نتيجته من الأول . ولما علم من هذا الإبهام تهويل الأمر ، سبب عنه سبحانه زيادة في تهويله قوله : { فانظر } وزاده عظمة بالإشارة بأداة الاستفهام إلى أنه أهل لأن يسأل عنه فقال : { كيف كان عاقبة مكرهم } فإن ذلك سنتنا في أمثالهم ، ثم استأنف لزيادة التهويل قوله بياناً لما أبهم : { إنا } أي بما لنا من العظمة ، ومن فتح فهو عنده بدل من { عاقبة } { دمرناهم } أي أهلكناهم ، أي التسعة المتقاسمين ، بعظمتنا التي لا مثل لها { وقومهم أجمعين * } لم يفلت منهم مخبر ، ولا كان في ذلك تفاوت بين مقبل ومدبر ، وأين يذهب أحد منهم أو من غيرهم من قبضتنا أو يفر من مملكتنا . ولما كانت يتسبب عن دمارهم زيادة الهول والعرب بالإشارة إلى ديارهم ، لاستحضار أحوالهم ، واستعظامهم بعظيم أعمالهم ، قال : { فتلك } أي المبعدة بالغضب على أهلها { بيوتهم } أي ثمود كلهم { خاوية } أي خالية ، متهدمة بالية ، مع شدة أركانها ، وإحكام بنيانها ، فسبحان الفعال لما يريد ، القادر على الضعيف كقدرته على الشديد … ولم ذكر الهلاك ، أتبعه سببه في قوله : { بما ظلموا } أي أوقعوا من الأمور في غير مواقعها فعل الماشي في الظلام ، كما عبدوا من الأوثان ، ما يستحق الهوان ، ولا يستحق شيئاً من التعظيم بوجه ، معرضين عمن لا عظيم عندهم غيره عند الإقسام ، والشدائد والاهتمام ، وخراب البيوت - كما قال أبو حيان - وخلوّها من أهلها حتى لا يبقى منهم أحد مما يعاقب به الظلمة . ثم زاد في التهويل بقوله : { إن في ذلك } أي الأمر الباهر للعقول الذي فعل بثمود { لآية } أي عظيمة ، ولكنها { لقوم يعلمون * } أي لهم علم . وأما من لا ينتفع بها نادى على نفسه بأنه في عداد البهائم . ولما كان ذلك ربما أوهم أن الهلاك عم الفريقين قال : { وأنجينا } بعظمتنا { الذين آمنوا } أو وهم الفريق الذين كانوا مع صالح عليه السلام كلهم { وكانوا يتقون * } أي متصفين بالتقوى اتصافاً كأنهم مجبولون عليه ، فيجعلون بينهم وبين ما يسخط ربهم وقايه من الأعمال الصالحة ، والمتاجر الرابحة . وكذلك نفعل بكل من فعل فعلهم ، قيل : كانوا أربعة آلاف ، ذهب بهم صالح عليه السلام إلى حضرموت ، فلما دخلوها مات صالح عليه السلام ، فسميت بذلك . ولما فرغ من قصة القريب الذي دعا قومه فإذا هم قسمان ، بعد الغريب الذي لم يختلف عليه ممن دعاهم اثنان ، اتبعها بغريب لم يتبعه ممن دعاهم إنسان ، فقال دالاً على أنه له سبحانه الاختيار ، فتارة يجري الأمور على القياس ، وأخرى على خلاف الأساس ، الذي تقتضيه عقول الناس ، فقال : { ولوطاً } أي ولقد أرسلناه ؛ وأشار إلى سرعة إبلاغه بقوله : { إذ } أي حين { قال لقومه } أي الذين كان سكن فيهم لما فارق عمه إبراهيم الخليل عليه السلام وصاهرهم ، وكانوا يأتون الأحداث ، منكراً موبخاً : { أتأتون } ولما كان للإبهام ثم التعيين من هز النفس وترويعها ما ليس للتعيين من أول الأمر قال : { الفاحشة } أي الفعلة المتناهية في القبح { وأنتم تبصرون * } أي لكم عقول تعرفون بها المحاسن والمقابح ، وربما كان بعضهم يفعله بحضرة بعض كما قال { وتأتون في ناديكم المنكر } [ العنكبوت : 29 ] فيكون حينئذ من البصر والبصيرة ؛ ثم أتبع هذا الأنكار إنكاراً آخر لمضمون جملة مؤكدة أتم التأكيد ، إشارة إلى أن فعلتهم هذه مما يعي الواصف ، ولا يبلغ كنه قبحها ولا يصدق ذو عقل أن أحداً يفعلها ، فقال معيناً لما أبهم : { أئنكم لتأتون } وقال : { الرجال } تنبيهاً على بعدهم عما يأتونه إليهم ، ثم علله بقوله : { شهوة } إنزالاً لهم إلى رتبة البهائم التي ليس فيها قصد ولد ولا عفاف ؛ وقال : { من دون } أي إتياناً مبتدئاً من غير ، أو أدنى رتبة من رتبة { النساء } إشارة إلى أنهم أساؤوا من الطرفين في الفعل والترك . ولما كان قوله : { شهوة } ربما أوهم أنهم لا غنى بهم عن إتيانهم للشهوة الغالبة لكن النساء لا تكفيهم ، لذلك نفى هذا بقوله : { بل } أي إنكم لا تأتونهم لشهوة محوجة بل { أنتم قوم } ولما كان مقصود السورة إظهار العلم والحكمة ، وكانوا قد خالفوا ذلك إما بالفعل وإما لكونهم يفعلون من الإسراف وغيره عمل الجهلة ، قال : { تجهلون * } أي تفعلون ذلك إظهاراً للتزين بالشهوات فعل المبالغين في الجهل الذين ليس لهم نوع علم في التجاهر بالقبائح خبثاً وتغليباً لأخلاق البهائم ، مع ما رزقكم الله من العقول التي أهملتموها حتى غلبت عليها الشهوة ، وأشار إلى تغاليهم في الجهل وافتخارهم به بما سببوا عن ذلك بقوله : { فما كان جواب قومه } أي لهذا الكلام الحسن لما لم يكن لهم حجة في دفعه بل ولا شبهة { إلا أن } صدقوه في نسبته لهم إلى الجهل بأن { قالوا } عدولاً إلى المغالبة وتمادياً في الخبث { أخرجوا آل لوط } فأظهر ما أضمره في الأعراف لأن الإظهار أليق بسورة العلم والحكمة وإظهار الخبء ، وقالوا ؛ { من قريتكم } مناً عليه بإسكانه عندهم ؛ وعللوا ذلك بقولهم : { إنهم } ولعلهم عبروا بقولهم : { أناس } مع صحة المعنى بدونه تهكماً عليه لما فهموا من أنه أنزلهم إلى رتبة البهائم { يتطهرون * } أي يعدون أفعالنا نجسة ويتنزهون عنها . فلما وصلوا في الخبث إلى هذا الحد ، سبب سبحانه عن قولهم وفعلهم قوله : { فأنجيناه وأهله } أي كلهم ، أي من أن يصلوا إليه بأذى أو يلحقه شيء من عذابنا { إلا امرأته } فكأنه قيل : فما كان من أمرها ؟ فقيل : { قدرناها } أي جعلناها بعظمتنا وقدرتنا في الحكم وإن كانت خرجت معه { من الغابرين * } أي الباقين في القرية في لحوق وجوههم والداهية الدهياء أنفسهم وديارهم حتى كانوا كأمس الدابر { وأمطرنا } وأشار إلى أنه إمطار عذاب بالحجارة مع تعديته بالهمزة وهو معدى بدونها فصارت كأنها لإزالة الإغاثة بالإتيان بضدها بقوله : { عليهم } وأشار إلى سوء الأثر لاستلزامه سوء الفعل الذي نشأ عنه وغرابته بقوله : { مطراً } أي وأيّ مطر ؛ ولذلك سبب عنه قوله : { فساء مطر المنذرين * } أي الذين وقع إنذارنا لهم الإنذار الذي هو الإنذار .