Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 77-81)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما بان بهذا دليل علمه ، أتبعه دليل فضله وحلمه ، فقال : { وإنه } أي القرآن { لهدى } أي موصل إلى المقصود لمن وفق { ورحمة } أي نعمة وإكرام { للمؤمنين * } أي الذين طبعتهم على الإيمان ، فهو صفة لهم راسخة كما أنه للكافرين وقر في أذانهم وعمى في قلوبهم . ولما ذكر دليل فضله ، أتبعه دليل عدله ، فقال مستأنفاً لجواب من ظن أن فضله دائم العموم على الفريقين : { إن } وقال : { ربك } أي المحسن إليك بجمعه لكل بين العلم والبلاغة والدين والبراعة والدنيا والعفة والشجاعة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم { يقضي بينهم } أي بين جميع المخلفين { بحكمه } أي الذي هو أعدل حكم وأتقنه وأنفذه وأحسنه مع كفرهم به واستهزائهم برسله ، لا بحكم غيره ولا بنائب يستنيبه { وهو } أي والحال أنه هو { العزيز } فلا يرد له أمر { العليم * } فلا يخفى عليه سر ولا جهر ، فلما ثبت له العلم والحكمة ، والعظمة والقدرة ، تسبب عن ذلك قوله : { فتوكل على الله } أي الذي له جميع العظمة بما ثبت علمه وقدرته التي أثبت بها أنك أعظم عباده الذين اصطفى في استهزاء الأعداء وغيره من مصادمتهم ومسالمتهم لتدع الأمور كلها إليه ، وتستريح من تحمل المشاق ، وثوقاً بنصره ، وما أحسن قول قيس بن الخطيم وهو جاهلي : @ متى ما تقد بالباطل الحق يأبه وأن تقد الأطوار بالحق تنقد @@ ثم علل ذلك حثاً على التحري في الأعمال ، وفطماً لأهل الإبطال ، عن تمني المحال ، فقال : { إنك على الحق المبين * } أي البين في نفسه الموضح لغيره ، فحقك لا يبطل ووضوحه لا يخفى ، ونكوصهم ليس عن خلل في دعائك لهم ، وإنما الخلل في مداركهم ، فثق بالله في تدبير أمرك فيهم ؛ ثم علل هذا الذي أرشد السياق إلى تقديره ، أو استأنف لمن يسأل متعجباً عن وقوفهم عن الحق الواضح بقوله : { إنك لا تسمع الموتى } أي لا توجد سمعاً للذين هم كالموتى في عدم الانتفاع بمشاعرهم التي هي في غاية الصحة ، وهم إذا سمعوا الآيات أعرضوا عنها . ولما كان تشبيههم بالموتى مؤيساً ، قال مرجياً : { ولا تسمع الصم الدعاء } أي لا تجدد ذلك لهم ، فشبههم بما في أصل خلقهم مما جبلوا عليه من الشكاسة وسوء الطبع بالصم . ولما كانوا قد ضموا إلى ذلك الإعراض والنفرة فصاروا كالأصم المدبر ، وكان الأصم إذا أقبل ربما بمساعدة بصره وفهمه ، قال : { إذا ولوا مدبرين * } فرجاه في إيجاد الإسماع إذا حصلت لهم حالة من الله تقبل بقلوبهم . ولما شبههم بالصم في كونهم لا يسمعون إلا مع الإقبال ، مثلهم بالعمى في أنهم لا يهتدون في غير عوج أصلاً إلا براعٍ لا تشغله عنهم فترة ولا ملال ، فقال : { وما أنت بهادي } أي بموجد الهداية على الدوام في قلوب { العمي } أي في أبصارهم وبصائرهم مزيلاً لهم وناقلاً ومبعداً { عن ضلالتهم } عن الطريق بحيث تحفظهم عن أن يزالوا عنها أصلاً ، فإن هذا لا يقدر عليه إلا الحي القيوم ، والسياق كما ترى يشعر بتنزيل كفرهم في ثلاث رتب : عليا ككفر أبي جهل ، ووسطى كعتبة بن ربيعة ، ودنيا كأبي طالب وبعض المنافقين ، وسيأتي في سورة الروم لهذا مزيد بيان . ولما كان ربما أوقف عن دعائهم ، رجاه في انقيادهم وارعوائهم بقوله : { إن } أي ما { تسمع } أي سماع انتفاع على وجه الكمال ، في كل حال { إلا من يؤمن } أي من علمناه أنه يصدق { بآياتنا } بأن جعلنا فيه قابلية السمع . ثم سبب عنه قوله دليلاً على إيمانه : { فهم مسلمون * } أي في غاية الطواعية لك في المنشط والمكره ، لا خيرة لهم ولا إرادة في شيء من الأشياء .