Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 82-86)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما فرغ من عظيم زجرهم بتسليته صلى الله عليه وسلم في أمرهم وختم بالإسلام ، عطف عليه ذكر ما يوعدون مما تقدم استعجالهم له استهزاء به ، وبدأ منه بالدابة التي تميز المسلم من غيره ، فقال محققاً بأداة التحقيق : { وإذا وقع القول } أي حان حين وقوع الوعيد الذي هو معنى القول ، وكأنه لعظمه لا قول غيره { عليهم } بعضه بالإتيان حقيقة وبعضه بالقرب جداً { أخرجنا } أي بما لنا من العظمة { لهم } من أشراط الساعة { دآبة } وأيّ دابة في هولها وعظمها خلقاً وخلقاً { من الأرض } أي أرض مكة التي هي أم الأرض ، لأنه لم يبق بعد إرسال أكمل الخلق بأعلى الكتب إلا كشف الغطاء . ولما كان التعبير بالدابة يفهم أنها كالحيوانات العجم لا كلام لها قال : { تكلمهم } أي بكلام يفهمونه ، روى البغوي من طريق مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدابة على الناس ضحى ، وأيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها قريباً " ومن طريق ابن خزيمة عن أبي شريحة الغفاري رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " يكون للدابة ثلاث خرجات من الدهر ، فتخرج خروجاً بأقصى اليمن فيفشو ذكرها بالبادية ، ولا يدخل ذكرها القرية - يعني مكة ، ثم تمكن زماناً طويلاً ، ثم تخرج خرجة أخرى قريباً من مكة فيفشو ذكرها بالبادية ويدخل ذكرها القرية ، ثم بينما الناس يوماً في أعظم المساجد على الله عز وجل حرمة وأكرمها على الله عز وجل - يعني المسجد الحرام ، لم يرعهم إلا وهي في ناحية المسجد تدنو وتدنو - كذا قال عمرو - يعني ابن محمد العبقري أحد رواة الحديث - ما بين الركن الأسود إلى باب بني مخزوم عن يمين الخارج في وسط ذلك ، فارفض الناس عنها وثبت لها عصابة عرفوا أنهم لن يعجزوا الله فخرجت عليهم تنفض رأسها من التراب ، فمرت بهم فجلت عن وجوههم حتى تركتها كأنها الكواكب الدرية ، ثم ولت في الأرض لا يدركها طالب ، ولا يعجزها هارب ، حتى أن الرجل ليقوم فيتعوذ منها بالصلاة ، فتأتيه من خلفه فتقول : يا فلان ! الآن تصلي ، فيقبل عليها بوجهه فتسمه في وجهه ، فيتجاور الناس في ديارهم ، ويصطحبون في أسفارهم ، ويشتركون في الأموال ، يعرف الكافر من المؤمن ، فيقال للمؤمن : يا مؤمن ، ويقال للكافر : يا كافر " ؛ ومن طريق الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تخرج الدابة ومعها عصا موسى ، وخاتم سليمان عليهما السلام ، فتجلو وجه المؤمن بالعصا ، وتخطم أنف الكافر بالخاتم ، حتى أن أهل الخوان ليجتمعون فيقول هذا : يا مؤمن ، وهذا : يا كافر " . ثم علل سبحانه إخراجه لها بقوله : { أن الناس } أي بما هم ناس لم يصلوا إلى أول أسنان الإيمان ، وهو سن { الذين آمنوا } بل هم نائسون مترددون مذبذبون تارة ، وتارة { كانوا } أي كوناً هو لهم كالجبلة { بآياتنا } أي المرئيات التي كتبناها بعظمتنا في ذوات العالم ، والمسموعات المتلوات ، التي أتيناهم بها على ألسنة أكمل الخلق : الأنبياء والرسل ، حتى ختمناهم بإمامهم الذي هو أكمل العالمين ، قطعاً لحجاجهم ، ورداً عن لجاجهم ، ولذا عممنا برسالته وأوجبنا على جميع العقل أتباعه { لا يوقنون * } من اليقين ، وهو إتقان العلم بنفي الشبه ، بل هم فيها مزلزلون ، فلم يبق بعده صلى الله عليه وسلم إلا كشف الغطاء عما ليس من جنس البشر بما لا تثبت له عقولهم . ولما كان من فعل الدابة التمييز بين المؤمن والكافر بما لا يستطيعون دفعه ، تلاه بتمييز كل فريق منهما عن صاحبه يجمعهم يوم القيامة في ناحية ، وسوقهم من غير اختلاط بالفريق الآخر ، فقال عاطفاً على العامل في " وإذا وقع القول " : { ويوم نحشر } أي نجمع - بما لنا من العظمة - على وجه الإكراه ؛ قال أبو حيان : الحشر : الجمع على عنف { من كل أمة فوجاً } أي جماعة كثيرة { ممن يكذب } أي يوقع التكذيب للهداة على الاستمرار ، مستهيناً { بآياتنا } أي المرئية بعدم الاعتبار بها ، والمسموعة بردها والطعن فيه على ما لها من العظمة بإضافتها إلينا ؛ وأشار إلى كثرتهم بقوله متسبباً عن العامل في الظرف من نحو : يكونون في ذل عظيم : { فهم يوزعون * } أي يكف بأدنى إشارة منه أولهم على - آخرهم ، وأطرافهم على أوساطهم ، ليتلاحقوا ، ولا يشذ منهم أحد ، ولا يزالون كذلك { حتى إذا جاءوا } أي المكان الذي أراده الله لتبكيتهم { قال } لهم ملك الملوك غير مظهر لهم الجزم بما يعلمه من أحوالهم ، في عنادهم وضلالهم ، بل سائلاً لهم إظهاراً للعدل بإلزامهم بما يقرون به من أنفسهم ، وفيه إنكار وتوبيخ وتبكيت وتقريع : { أكذبتم } أي أيها الجاهلون { بآياتي } على ما لها من العظم في أنفسها ، وبإتيانها إليكم على أيدي أشرف عبادي { و } الحال أنكم { لم تحيطوا بها علماً } أي من غير فكر ولا نظر يؤدي إلى الإحاطة بها في معانيها وما أظهرت لأجله حتى تعلموا ما تستحقه ويليق بها بدليل لا مرية فيه { أمّاذا كنتم } أي في تلك الأزمان بما هو لكم كالجبلات { تعملون * } فيها هل صدقتم بها أو كذبتم بعد الإحاطة بعلمها ؟ أخبروني عن ذلك كله ! ما دهاكم حيث لم تشتغلوا بهذا العمل المهم ؟ فإن هذا - وعزتي - مقام العدل والتحرير ، ولا يترك فيه قطمير ولا نقير ، ولا ظلم فيه على أحد في جليل ولا حقير ، ولا قليل ولا كثير ، والسؤال على هذا الوجه منبه على الاضطرار إلى التصديق أو الاعتراف بالإبطال ، لأنهم إن قالوا : كذبنا ، فإن قالوا مع عدم الإحاطة كان في غاية الوضوح في الإبطال ، وإن قالوا مع الإحاطة كان أكذب الكذب . ولما كان التقدير بما أرشد إليه السياق : فأجابوا بما تبين به أنهم ظالمون ، عطف عليه قوله : { ووقع القول } أي مضمون الوعيد الذي هو القول حقاً ، مستعلياً { عليهم بما ظلموا } أي بسبب ما وقع منهم من الظلم من صريح التكذيب وما نشأ عنه من الضلال ، في الأقوال والأفعال { فهم لا ينطقون * } أي بسبب ما شغلهم من وقوع العذاب المتوعد به مما أحاط بقواهم ، فهد أركانهم ، وما انكشف لهم من أنه لا ينجيهم شيء . ولما ذكر الحشر ، استدل عليه بحشرهم كل ليلة إلى المبيت ، والختم على مشاعرهم ، وبعثهم من المنام ، وإظهار الظلام الذي هو كالموت بعد النور ، وبعث النور بعد إفنائه بالظلام ، فقال : { ألم يروا } مما يدلهم على قدرتنا على بعثهم بعد الموت وعلى كل ما أخبرناهم به { أنا جعلنا } أي بعظمتنا التي لا يصل أحد إلى مماثلة شيء منها الدالة على تفردنا وفعلنا بالاختيار { الليل } أي مظلماً { ليسكنوا فيه } عن الانتشار { والنهار مبصراً } أي بإبصار من يلابسه ، لينتشروا فيه في معايشهم بعد أن كانوا ماتوا الموتة الصغرى ، وكم من شخص منهم بات سوياً لا قلبة به فمات ، ولو شئنا لجعلنا الكل كذلك لم يقم منهم أحد ، وعدل عن { ليبصروا فيه } تنبيهاً على كمال كونه سبباً للإبصار ، وعلى أنه ليس المقصود كالسكون ، بل وسيلة المقصود الذي هو جلب المنافع ، فالآية من الاحتباك : ذكر السكون أولاً دليل على الانتشار ثانياً ، وذكر الإبصار ثانياً دليل على الإظلام أولاً ، ثم عظم هذه الآية حثاً على تأمل ما فيها من القدرة الهادية إلى سواء السبيل فقال : { إن في ذلك } أي الحشر والنشر الأصغرين مع آيتي الليل والنهار { لآيات } أي متعددة ، بينة على التوحيد والبعث الآخر والنبوة ، لأن من قلب الملوين لمنافع الناس الدنيوية ، أرسل الرسل لمنافعهم في الدراين . ولما كان من مباني السورة تخصيص الهداية بالمؤمنين ، خصهم بالآيات لاختصاصهم بالانتفاع بها وأن كان الكل مشتركين في كونها دلالة لهم ، فقال : { لقوم يؤمنون * } أي قضيت بأن إيمانهم لا يزال يتجدد ، فهم كل يوم في علو وارتفاع .