Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 87-91)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما ذكر هذا الحشر الخاص ، والدليل على مطلق الحشر والنشر ، ذكر الحشر العام ، لئلا يظن أنه إنما يحشر الكافر ، فقال مشيراً إلى عمومهم بالموت كما عمهم بالنوم ، وعمومهم بالإحياء كما عمهم بالإيقاظ : { ويوم ينفخ } أي بأيسر أمر { في الصور } أي القرن الذي جعل صوته لإماتة الكل . ولما كان ما ينشأ عنه من فزعهم مع كونه محققاً مقطوعاً به كأنه وجد ومضى ، يكون في آن واحد ، أشار إلى ذلك وسرعة كونه بالتعبير بالماضي فقال : { ففزع } أي صعق بسسب هذا النفخ { من في السماوات } . ولما كان الأمر مهولاً ، كان الإطناب أولى ، فقال : { ومن في الأرض } أي كلهم { إلا من شاء الله } أي المحيط علماً وقدرة وعزة وعظمة ، أن لا يفزع ؛ ثم أشار إلى النفخ لإحياء الكل بقوله : { وكل } أي من فزع ومن لم يفزع { أتوه } أي بعد ذلك للحساب بنفخة أخرى يقيمهم بها ، دليلاً على تمام القدرة في كونه أقامهم بما به أنامهم { داخرين * } أي صاغرين منكسرين ؛ واستغنى عن التصريح به بما يعلم بالبديهة من أنه لا يمكن إتيانهم في حال فزعهم الذي هو كناية عن بطلان إحساسهم ، هذا معنى ما قاله كثير من المفسرين والذي يناسب سياق الآيات الماضية - من كون الكلام في يوم القيامة الذي هو ظرف لما بين البعث ودخول الفريقين إلى داريهما - أن يكون هذا النفخ بعد البعث وبمجرد صعق هو كالغشي كما أن حشر الأفواج كذلك ، ويؤيده التعبير بالفزع ، ويكون الإتيان بعده بنفخة أخرى تكون بها الإقامة ، فهاتان النفختان حينئذ هما المراد من قوله صلى الله عليه وسلم : " يصعق الناس يوم القيامة " - الحديث ، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى لفظاً ومعنى ، ويحل ما فيه من إشكال في آخر سورة الزمر . ولما ذكر دخورهم ، تلاه بدخور ما هو أعظم منهم خلقاً ، وأهول أمراً ، فقال : عاطفاً على ناصب الظرف مما تقديره : كانت أمور محلولة ، معبراً بالمضارع لأن ذلك وإن شارك الفزع في التحقق قد فارقه في الحدوث والتجدد شيئاً فشيئاً : { وترى الجبال } أي عند القيام من القبور ، والخطاب إما للنبي صلى الله عليه وسلم ليدل ذلك - لكونه صلى الله عليه وسلم أنفذ الناس بصراً وأنورهم بصيرة - على عظم الأمر ، وإما لكل أحد لأن الكل صاروا بعد قيامهم أهلاً للخطاب بعد غيبتهم في التراب { تحسبها جامدة } أي قائمة ثابته في مكانها لا تتحرك ، لأن كل كبير متباعد الأقطار لا يدرك مشيته إلا تخرصاً { وهي تمر } أي تسير حتى تكون كالعهن المنفوش فينسفها الله فتقع حيث شاء كأنها الهباء المنثور ، فتستوي الأرض كلها بحيث لا يكون فيها عوج ، وأشار إلى أن سيرها خفي وإن كان حثيثاً بقوله : { مر السحاب } أي مراً سريعاً لا يدرك على ما هو عليه لأنه إذا طبق الجو لا يدرك سيره مع أنه لا شك فيه وإن لم تنكشف الشمس بلا لبس ، وكذا كل كبير الجرم أو كثير العد يقصر عن الإحاطة به لبعد ما بين أطرافه بكثرته البصر ، يكون سائراً ، والناظر الحاذق يظنه واقفاً . ولما كان ذلك أمراً هائلاً ، أشار إلى عظمته بقوله ، مؤكداً لمضمون الجملة المتقدمة : { صنع الله } أي صنع الذي له الأمر كله ذلك الذي أخبر أنه كائن في ذلك اليوم صنعاً ، ونحو هذا المصدر إذا جاء عقب كلام جاء كالشاهد بصحته ، والمنادي على سداده ، والصارخ بعلو مقداره ، وأنه ما كان ينبغي أن يكون إلا هكذا ، ثم زاد في التعظيم بقوله دالاً على تمام الإحكام في ذلك الصنع : { الذي أتقن كل شيء } . ولما ثبت هذا على هذا الوجه المتقن ، والنظام الأمكن ، أنتج قطعاً قوله : { إنه } أي الذي أحكم هذه الأمور كلها { خبير بما يفعلون * } أي لأن الإتقان نتيجة القدرة ، وهي نتيجة العلم ، فمن لم يكن شامل العلم لم يكن تام القدرة ، وعبر بالفعل الذي هو أعم من أن يكون بعلم أو لا ، لأنه في سياق البيان لعماهم ، ونفي العلم عنهم ، وقرىء بالخطاب المؤذن بالقرب المرجي للرضا ، المرهب من الإبعاد ، المقرون بالسخط ، وبالغيبة المؤذنة بالإعراض الموقع في الخيبة ، وما أبدع ما لاءم ذلك ولاحمه ما بعده على تقدير الجواب لسؤال من كأنه قال : ماذا يكون حال أهل الحشر مع الدخور عند الناقد البصير ؟ فقال : من إتقانه للأشياء أنه رتب الجزاء أحسن ترتيب { من جاء بالحسنة } أي الكاملة وهي الإيمان { فله } وهو من جملة إحكامه للأشياء { خير } أي أفضل { منها } مضاعفاً ، أقل ما يكون عشرة أضعاف إلى ما لا يعلمه إلا الله ، وأكرمت وجوههم عن النار ، وهؤلاء أهل القرب الذين سبقت لهم الحسنى { وهم من فزع يومئذ } أي إذا وقعت هذه الأحوال ، العظيمة الأهوال { آمنون * } أي حتى لا يحزنهم الفزع الأكبر ، فانظر إلى بلاغة هذا الكلام ، وحسن نظمه وترتيبه ، وأخذ بعضه بحجزة بعض ، كأنما أفزع إفزاعاً واحداً ، ولأمر ما أعجز القوي ، وأخرس الشقاشق والادعاء { ومن جاء بالسيئة } أي التي لا سيئة مثلها ، وهي الشرك لقوله : { فكبت } أي بأيسر أمر { وجوههم في النار } مع أنه ورد في الصحيح أن مواضع السجود - التي أشرفها الوجوه - لا سبيل للنار عليها ، والوجه أشرف ما في الإنسان ، فإذا هان كان ما سواه أولى بالهوان ، والمكبوب عليه منكوس . ولما كانوا قد نكسوا أعمالهم وعكسوها بعبادة غير الله ، فوضعوا الشيء في غير موضعه ، فعظموا ما حقه التحقير ، واستهانوا أمر العلي الكبير . وكان الوجه محل ظهور الحياء والانكسار ، لظهور الحجة ، وكانوا قد حدقوا الأعين جلادة وجفاء عند العناد ، وأظهروا في الوجوه التجهم والعبوس والارتداد ، بدع قوله بناء على ما تقديره بما دل عليه الاحتباك : وهم من فزع يومئذ خائفون ، وليس لهم إلا مثل سيئتهم : { هل } أي مقولاً لهم : هل { تجزون } أي بغمس الوجوه في النار ؛ وبني للمفعول لأن المرغب المرهب الجزاء ، لا كونه من معين ، وإشارة إلى أنه يكون بأيسر أمر ، لأن من المعلوم أن المجازي هو الله لا غيره { إلا ما كنتم } أي بما هو لكم كالجبلة { تعملون * } أي تكررون عمله وأنتم تزعمون أنه مبني على قواعد العلم بحيث يشهد كل من رآه أنه مماثل لأعمالكم سواء بسواء ، وهو شامل أيضاً لأهل القسم الأول ، والآية من الاحتباك : ذكر الخيرية والأمن أولاً دليلاً على حذف المثل والخوف ثانياً ، والكب في النار ثانياً دليلاً على الإكرام عنه أولاً . ولما أتم الدين بذكر الأصول الثلاثة : المبدأ والمعاد والنبوة ، ومقدمات القيامة وأحوالها ، وبعض صفتها وما يكون من أهوالها ، وذلك كمال ما يتعلق بأصول الدين على وجوه مرغبة أتم ترغيب ، مرهبة أعظم ترهيب ، أوجب هذا الترغيب والترهيب لكل سامع أن يقول : فما الذي نعمل ومن نعبد ؟ فأجابه المخاطب بهذا الوحي . المأمور بإبلاغ هذه الجوامع ، الداعي لمن سمعه ، الهادي لم اتبعه ، بأنه لا يرضى له ما رضي لنفسه ، وهو ما أمره به ربه ، فقال : { إنما أمرت } أي بأمر من لا يرد له أمر ، ولا يعد أن يكون بدلاً من قوله { الحمد لله وسلام على عباده الذين اصصفى } فيكون محله نصباً بقل ، وعظم المأمور به بإحلاله محل العمدة فقال : { أن أعبد } أي بجميع ما أمركم به { رب } أي موجب ومدبر وملك ؛ وعين المراد وشخصه وقربة تشريفاً وتكريماً بقوله : { هذه البلدة } أي مكة التي تخرج الدابة منها فيفزع كل من يراها ، ثم تؤمن أهل السعادة ، أخصه بذلك لا أعبد شيئاً مما عدلتموه به سبحانه وادعيتم أنهم شركاء ، وهم من جملة ما خلق ؛ ثم وصف المعبود الذي أمر بعبادة أحد غيره بما يقتضيه وصف الربوبية ، وتعين البلدة التي أشار إليها بأداة القرب لحضورها في الأذهان لعظمتها وشدة الإلف بها وإرادتها بالأرض التي تخرج الدابة منها ، فصارت لذلك بحيث إذا أطلقت البلدة انصرفت إليها وعرف أنها مكة ، فقال : { الذي حرمها } تذكيراً لهم بنعمته سبحانه عليهم وتربيته لهم بأن أسكنهم خير بلاده ، وجعلهم بذلك مهابة في قلوب عباده ، بما ألقى في القلوب من أنها حرم ، لا يسفك بها دم ، ولا يظلم أحد ، ولا يباح بها صيد ، ولا يعضد شجرها ، وخصها بذلك من بين سائر بلاده والناس يتخطفون من حولهم وهم آمنون لا ينالهم شيء من فزعهم وهولهم . ولما كانت إضافتها إليه إنما هي لمحض التشريف ، قال احتراساً عما لعله يتوهم : { وله كل شيء } أي من غيرها مما أشركتموه به وغيره خلقاً وملكاً وملكاً ، وليس هو كالملوك الذين ليس لهم إلا ما حموه على غيرهم . ولما كانوا ربما قالوا : ونحن نعبده بعبادة من نرجوه يقربنا إليه زلفى ، عين الدين الذي تكون به العبادة فقال : { وأمرت } أي مع الأمر بالعبادة له وحده ، وعظم المفعول المأمور به بجعله عمدة الكلام بوضعه موضع الفاعل فقال : { أن أكون } أي كوناً هو في غاية الرسوخ { من المسلمين * } أي المنقادين لجميع ما يأمر به كتابه أتم انقياد ، ثابتاً على ذلك غاية الثبات .