Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 71-75)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما قامت على القدرة الشاملة والعلم التام وأنه الإله وحده إن وحدوا أو الحدوا هذه الأعلام على هذا النظام ، أقام دليلاً دالاًّ على ذلك كله بما اجتمع فيه من العلم والحكمة وتمام القدرة ، منبهاً على وجوب حمده مفصلاً لبعض ما يحمد عليه ، فقال مقدماً الليل لأن آيته عدمية ، وهي أسبق : { قل } لمن ربما عاندوا في ذلك ، منكراً عليهم ملزماً لهم ، وعبر بالجمع لأنه أدل على الإلزام ، أعظم في الإفحام ، فقال : { أرءيتم } أي أخبروني { إن جعل الله } أي الملك الأعلى نظراً إلى مقام العظمة والجلال { عليكم الليل } الذي به اعتدال حر النهار { سرمداً } أي دائماً ، وقال : { إلى يوم القيامة } تنبيهاً على أنه مما لا يتوجه إليه إنكار { من إله غير الله } العظيم الشأن الذي لا كفوء له . ولما كان النور نعمة في نفسه ، ويعرف به خالقه ، صرح به وطوى أثره فقال : { يأتيكم بضياء } أي يولد نهاراً تنتشرون فيه ، ولقوة إعلامه بالقدرة وتعريفه بالله عبر بهذا دون يؤتيكم ضياء ، ولما كان الليل محل السكون ومجمع الحواس ، فهو أمكن للسمع وأنفذ للفكر ، قال تعالى : { أفلا تسمعون * } أي ما يقال لكم إصغاء وتدبر ، كما يكون لمن هو في الليل فينتفع بسمعه من أولي العقل { قل أرءيتم إن جعل الله } أي الذي له الأمر كله بجلاله وباهر كماله { عليكم النهار } الذي توازن حرارته رطوبة الليل فيتم بهما صلاح النبات ، وغير ذلك من جميع المقدرات { سرمداً } أي دائماً ، من السرد ، وهو المتابعة بزيادة الميم مبالغة فيه { إلى يوم القيامة } أي الذي لا يسمع عاقلاً إنكاره { من إله غير الله } الجليل الذي ليس له مثيل ، وهو على كل شيء وكيل . ولما كان الظلام غير مقصود في نفسه ، وكان بعد الضياء في غاية التعريف بموحده ، عدل عن اسمه فقال معبراً لمثل ما مضى : { يأتيكم بليل } أي ينشأ من ظلام ؛ ثم بين بما يدل على ما حذفه من الأول فقال : { تسكنون فيه } فالآية من الاحتباك : ذكر الضياء أولاً دليلاً على حذف الظلام ثانياً ، والليل والسكون ثانياً دليلاً على حذف النهار والانتشار أولاً . ولما كان الضياء مما ينفذ فيه البصر قال : { أفلا تبصرون * } أي بالبصر والبصيرة كيف تنقشع جلابيب الظلام ، عن وجوه الضياء الغر الكرام ، ثم تتقنع بسواد أردية الحياء ، وجوه الأنوار والضياء قال ابن هبيرة : قال المبرد : سلطان السمع في الليل وسلطان البصر في النهار . ولما كان التقدير : فمن حكمته جعل لكم السمع والأبصار ، لتتدبروا آياته ، وتتبصروا في مصنوعاته ، عطف عليه { ومن رحمته } أي التي وسعت كل شيء لا من غيرها من خوف أو رجاء أو تعلق غرض من الأغراض { جعل لكم الليل والنهار } آيتين عظيمتين دبر فيهما وبهما جميع مصالحكم ، وادخر معظم رحمته إلى الآخرة ، ومحا آية الليل { لتسكنوا فيه } أي فلا تسعوا في معاشكم { و } جعل آية النهار مبصرة { لتبتغوا من فضله } بأن تسعوا في معاشكم بجهدكم ، فالآية من الاحتباك : ذكر أولاً السكون دليلاً على حذف السعي في المعاش ثانياً ، والابتغاء ثانياً دليلاً على حذف عدم السعي في المعاش أولاً . ولما ذكر هذه النعمة التي أسبغها من هذه الرحمة ، وذكر علة جعله لها على الصفة المذكورة ، ذكر علة أخرى هي المقصودة بالذات لأنها نتيجة السمع والبصر اللذين ، قدم الحث على استعمالهما فقال : { ولعلكم تشكرون * } أي وليكون حالكم حال من يرجى منه الشكر بما يتجدد لكم بتقبلهما من النعم المتوالية المذكورة بالمنعم ، وبما دبر لكم رفقاً بكم فيما كفلكم به في دار الأسباب من أمر المعاش والمعاد من الراحة بالسكون إثر ما أفادكم من الأرباح والمنح بالانتشار والتقلب ، وأما الآخرة فلما كانت غير مبينة على الأسباب ، وكان الجنة لا تعب فيها بوجه من الوجوه ، كان لا حاجة فيها إلى الليل . ولما ذكر ما للمفلح من الرجاء في يوم الجزاء ، وأتبعه الإعلام بأن الهداية إلى الفلاح إنما هي به ، ودل على ذلك إلى أن ذكر ايام الدنيا المشتملة على الليل والنهار على وجه دال على وحدانيته ، معلم بالقدرة على البعث بعد الموت بتكرير إيجاد كل من الملوين بعد إعدامه وتكرير إماتة الناس بالنوم ، ثم نشرهم باليقظة ، وختم ذلك بالشكر إشارة إلى أنه سبب الفلاح ، عاد إلى يوم الجزاء الذي تظهر فيه ثمرة ذلك كله ، مقرعاً على الإشراك مع ظهور هذه الدلائل على التوحيد ، وعدم شبهة قائمة على الشرك غير محض التقليد ، فقال منبهاً على عجزهم عن البرهان عند استحقاق البرهان في يوم التناد ، لمحضر من الأشهاد ، مع ما فيه من التأكيد للتهويل بالتكرير ، والتاطيد للتهليل والتقرير : { ويوم يناديهم } أي هؤلاء الذي يظنون أنهم معجزون { فيقول } بلسان الغضب والإخزاء والتوبيخ وقد جمعوا جمعاً : { أين شركاءي } وكرر الإشارة إلى أن إشراكهم إنما هو بالاسم لا معنى فيه أصلاً فقال : { الذين كنتم } أي بغاية جهدكم حتى صار لكم ذلك لمكة { تزعمون * } بلا شبهة لكم في ذلك عند التحقق أصلاً . ولما ذكر الدليل الأول من الدليل على إبطال الشركة أن الشركاء لم يستجيبوا لهم ولا كانت لهم قدرة على نصرهم ولا نصر أنفسهم ، وكان ربما قيل : إن ذلك الشيء عبر العجز ، دل هنا على الإشراك لا شبهة دليل فقال صارفاً بقول إلى مظهر التكلم بأسلوب العظمة لأنه مجرد فعال { ونزعنا } أي أفردنا بقوة وسطوة { من كل أمة شهيداً } أي وهو رسولهم ، فشهد عليهم بأعمالهم وما كانوا فيه من الارتباك في أشراك الإشراك . ولما تسبب عن ذلك سؤالهم عن سندهم في إشراكهم قال : { فقلنا } أي للأمم : { هاتوا برهانكم } أي دليلكم القطعي الذي فزعتم في الدنيا إليه ، وعولتم في شرككم عليه ، كما هو شأن ذوي العقول أنهم لا يبنون شيئاً على غير أساس { فعلموا } بسبب هذا السؤال لما اضطروا ففتشوا واجتهدوا فلم يجدوا لهم سنداً أصلاً { أن الحق } أي في الإلهية { لله } أي الملك الأعلى الذي له الأمر كله ولا مكافىء له ، لا شركة لشيء معه { وضل } أي غاب وبطل غيبة الشيء الضائع { عنهم ما كانوا } أي كوناً هو كالجبلة لهم { يفترون * } أي يقولونه قول الكاذب المتعمد للكذب لكونه لا دليل عليه ولا شبهة موجبة للغلط فيه .