Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 39-41)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان لفرعون ومن ذكر معه من العتو بمكان لا يخفى ، لما أتوا من القوة بالأموال والرجال قال : { وقارون } أي أهلكناه وقومه لأن وقوعه في أسباب الهلاك أعجب ، لكونه من بني إسرائيل ، ولأنه ابتلى بالمال والعلم ، فكان ذلك سبب إعجابه ، فتكبر على موسى وهاورن عليهما السلام فكان ذلك سبب هلاكه { وفرعون وهامان } وزيره الذي أوقد له على الطين ، فلا هو نجا ولا كان رأساً في الكفر ، بل باع سعادته بكونه ذنباً لغيره . ولما كان هلاكهم مع رؤية الآيات أعجب ، فكان جديراً بالإنكار ، إشارة إلى أن رؤية الآيات جديرة بأن يلزم عنها الإيمان قال : { ولقد جاءهم موسى بالبينات } أي التي لم تدع لبساً فتسببوا عما يقتضيه من الاستبصار الاستكبار { فاستكبروا } أي طلبوا أن يكونوا أكبر من كل كبير بأن كانت أفعالهم أفعال من يطلب ذلك { في الأرض } بعد مجيء موسى عليه الصلاة والسلام إليهم أكثر مما كانوا قبله . ولما كان من يتكبر - وهو عالم بأنه مأخوذ - أشد لوماً ممن يجهل ذلك قال : { وما كانوا } أي الذين ذكروا هذا كلهم ، كوناً ما { سابقين * } أي فائتين ما نريدهم ، بأن يخرجوا من قبضتنا ، بل هم في القبضة كما ذكرنا أول السورة وهم عالمون بذلك { فكلاً } أي فتسبب عن تكذيبهم وعصيانهم أن كلاًّ منهم { أخذنا } أي بما لنا من العظمة { بذنبه } أخذ عقوبة ليعلم أنه لا أحد يعجزنا { فمنهم من أرسلنا عليه } إرسال عذاب يا له من عذاب ! { حاصباً } أي ريحاً ترمى لقوة عصفها وشدة قصفها بالحجارة كعاد وقوم لوط { ومنهم من أخذته } أخذ هلاك وغضب وعذاب ، وعدل عن أسلوب العظمة لئلا يوهم الإسناد في هذه إليه صوتاً ليوقع في مصيبة التشبيه { الصيحة } التي تظهر شدتها الريح الحاملة لها الموافقة لقصدها فترجف لعظمتها الأرض كمدين وثمود { ومنهم من } وأعاد أسلوب العظمة الماضي لسلامة من الإيهام المذكور في الصيحة وللتنبيه على أنه لا يقدر عليه غير الله سبحانه ففيه من الدلالة على عظمته ما يقصر عنه الوصف فقال : { خسفنا به الأرض } بأن غيبناه فيها كقارون وجماعته { ومنهم من أغرقنا } بالغمر في الماء كقوم نوح وفرعون وجنوده ، وعذاب قوم لوط صالحٌ للعد في الإغراق والعد في الخسف ، فتارة نهلك بريح تقذف بالحجارة من السماء كقوم لوط ، أو من الأرض كعاد ، وأخرى بريح تقرع بالصرخة الأسماع فتزلزل القلوب والبقاع ، ومرة نبيد بالغمس في الكثيف وكرة بالغمر في اللطيف - فللّه درّ الناظرين في هذه الأوامر النافذة ، والمتفكرين في هذه الأقضية الماضية ، ليعلموا حقيقة قوله { وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء } - الآية . ولما كان ذلك ربما جر لأهل التعنت شيئاً مما اعتادوه في عنادهم قال : { وما كان الله } أي الذي لا شيء من الجلال والكمال إلا هو وله { ليظلمهم } أي مريداً ليعاملهم معاملة الظالم الذي يعاقب من لا جرم له ، أو من أجرم ولم يتقدم إليه بالنهي عن إجرامه ليكف فيسلم ، أو يتمادى فيهلك لأنه لا نفع يصل إليه سبحانه من إهلاكهم ، ولا ضرر يلحقه عز شأنه من إبقائهم { ولكن كانوا } أي هم لا غيرهم { أنفسهم } لا غيرها { يظلمون * } بارتكابهم ما أخبرناهم غير مرة أنه يغضبنا وأنا نأخذ من يفعله ، فلم يقبلوا النصح مع عجزهم ، ولا خافوا العقوبة على ضعفهم ، وأما ما عبدوه ورجوا نصره لهم وأملوه فأضعف منهم ، ولكون شيء منه لم يغن عن أحد منم شيئاً فلم تختل سنة الله في أوليائه وأعدائه في قرن من القرون ولا عصر من العصور ، بل جرت على أقوم نظام ، واتقن إحكام ، وصل بذلك قوله تعالى على وجه الاستنساج : { مثل الذين } . ولما كان دعاء غير الله مخالفاً لقويم العقل ، وصريح النقل ، وسليم الفطرة وصحيح الفكرة فكان ذلك يحتاج إلى تدرب إلى الجلافة ، وتطبع في الكثافة ، قال : { اتخذوا } أي تكلفوا أن أخذوا . ولما كانت الرتب تحت رتبته سبحانه لا تحصى ، وكل الرتب دون رتبته ، قال منبهاً على ذلك بالجار : { من دون الله } أي الذي لا كفوء له ، فرضوا بالدون ، عوضاً عمن لا تكفيه الأوهام والظنون { أولياء } ينصرونهم بزعمهم من معبودات وغيرها ، في الضعف والوهي { كمثل العنكبوت } الدابة المعروفة ذات الأرجل الكثيرة الطوال ؛ ثم استأنف ذكر وجه الشبه وعبر عنها بالتأنيث وإن كانت تقال بالتذكير تعظيماً لضعفها ، لأن المقام لضعف ما تبنيه فقال : { اتخذت بيتاً } أي تكلفت أخذه في صنعتها له ليقيها الردى ، ويحميها البلا ، كما تكلف هؤلاء اصطناع أربابهم لينفعوهم ، ويحفظوهم بزعمهم ويرفعوهم ، فكان ذلك البيت مع تكلفها في أمره ، وتعبها الشديد في شأنه ، في غاية الوهن . ولما كان حالها في صنعها حال من ينكر وهنه ، قال مؤكداً : { وإن } و واوه للحال من ضمير - { اتخذت } أي والحال أنه أوهن - هكذا كان الأصل ، ولكنه أظهر للتعميم فقال : { أوهن البيوت } أي أضعفها { لبيت العنكبوت } التي عانت في حوكه ما عانت وقاست في نسجه ما قاست ، لأنه لا يكنّ من حر ، ولا يصون من برد ، ولا يحصن عن طالب ، كذلك ما اتخذ هؤلاء من هذه الأوثان ، وهذا الدين الذي لا أصل له فهو أوهن الأديان وأهونها { لو كانوا يعلمون * } أي لو كان لهم نوع ما من العلم لانتفعوا به فعلموا أن هذا مثلهم ، فأبعدوا عن اعتقاد ما هذا مثله .