Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 113-117)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان السياق ربما أفهم أنهم كلهم كذلك قال مستأنفاً نافياً لذلك : { ليسوا سوآء } أي في هذه الأفعال ، يثني سبحانه وتعالى على من أقبل على الحق منهم وخلع الباطل ولم يراع سلفاً ولا خلفاً بعيداً ولا قريباً . ثم استأنف قوله بياناً لعدم استوائهم : { من أهل الكتاب } فـأظهر لئلا يتوهم عود الضمير على خصوص من حكم بتكفيرهم { أمة } أي جماعة يحق لها أن تؤم { قائمة } أي مستقيمة على ما أتاها به نبيها في الثبات على ما شرعه ، متهيئة بالقيام للانتقال عنه عند مجيء الناسخ الذي بشر به ووصفه . غير زائغة بالإيمان ببعضه والكفر ببعضه . ثم ذكر الحامل على الاستقامة فقال : { يتلون } أي يتعابعون مستمرين { آيات الله } أي علامات ذي الجلال والإكرام المنزلة الباهرة التي لا لبس فيها { آناء الليل } أي ساعاته { وهم يسجدون * } أي يصلون في غاية الخضوع . ثم ذكر ما أثمر لهم التهجد فقال : { يؤمنون } وكرر الاسم الأعظم إشارة إلى استحضارهم لعظمته فقال : { بالله } أي الذي له من الجلال وتناهي الكمال ما حير العقول . وأتبعه اليوم الذي تظهر فيه عظمته كلها ، لأنه الحامل على كل خير فقال : { واليوم الآخر } أي إيماناً يعرف أنه حق بتصديقهم له بالعمل الصالح بما يرد عليهم من المعارف التي ما لها من نفاد ، فيتجدد تهجدهم فتثبت استقامتهم . ولما وصفهم بالاستقامة في أنفسهم في أنفسهم وصفهم بأنهم يقوّمون غيرهم فقال : { ويأمرون بالمعروف } أي مجددين ذلك مستمرين عليه { وينهون عن المنكر } لذلك ، ولما ذكر فعلهم للخير ذكر نشاطهم في جميع أنواعه فقال : { ويسارعون في الخيرات } ولما كان التقدير : فأولئك من المستقيمين ، عطف عليه : { وأولئك } أي العالو الرتبة { من الصالحين * } إشارة إلى أن من لم يستقم لم يصلح لشيء ، وأرشد السياق إلى أن التقدير : وأكثرهم ليسوا بهذه الصفات . ولما كان التقدير : فما فعلوا من خير فهو بعين الله سبحانه وتعالى ، يشكره لهم ، عطف عليه قوله : { وما تفعلوا } أي أنتم { من خير } من إنفاق أو غيره { فلن تكفروه } بل هو مشكور لكم بسبب فعلكم ، وبني للمجهول تأدباً معه سبحانه وتعالى ، وليكون على طريق المتكبرين . وعطف على ما تقديره : فإن الله عليم بكل ما يفعله الفاعلون ، قوله : { والله } أي المحيط بكل شيء { عليم بالمتقين * } من الفاعلين الذين كانت التقوى حاملة لهم على كل خير ، فهو يثيبهم أعظم الثواب ، ويغيرهم فهو يعاقبهم بما يريد من العقاب ، هذا على قراءة الخطاب ، وأما على قراءة الغيبة فأمرها واضح في نظمها بما قلته . ولما رغبهم في الإنفاق بما يشمل كل خير وأخبرهم بأنه عالم بدقة وجله ، وأخبر أن ذلك كان دأب إسرائيل عليه الصلاة والسلام على وجه أنتج أن بنيه كاذبون في ادعائهم أنهم على ملة جده إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، ثم حذر منهم وختم ما ختمه بالمتقين بالترغيب في الخير بما اندرج فيه الإنفاق الذي قدم أول السورة أنه من صفة المتقين المستغفرين بالأسحار التي هي أشرف آناء الليل , وكان مما يمنع منه خوفُ الفقر والنزول عن حال الموسرين من الكفار المفاخرين بالإكثار المعيرين بالإقلال من المال والولد وقوفاً مع الحال الدنيوي ، وكان قد أخبر أنه لا يقبل من أحد منهم في الآخرة ملء الأرض ذهباً ، أعقب هذا بمثل ذلك على وجه أعم فقال - واصفاً أضداد من تقدم ، نافياً ما يعتقدون من أن أعمالهم الصورية تنفعهم - : { إن الذين كفروا } أي بالله بالميل عن المنهج القويم وإن ادعوا الإيمان به نفاقاً أو غيره { لن تغني عنهم أموالهم } أي وإن كثرت { ولا أولادهم } وإن عظمت { من الله } أي الملك الذي لا كفوء له { شيئاً } أي من الإغناء تأكيداً لما قرر من عدم نصرة أهل الكتاب الذين حملهم على إيثار الكفر على الإيمان استجلاب الأموال والرئاسة على الأتباع على وجه يعم جميع الكفار - كما قال في أول السورة - سواءً . ولما كان التقدير : فأولئك هم الخاسرون ، عطف عليه قوله : { وأولئك أصحاب النار } أي هم مختصون بها ، ثم استأنف ما يفيد ملازمتها فقال : { هم فيها خالدون * } ولما كان ربما قيل : فما حال ما يبدلونه في المكارم ويواسون به في المغارم ؟ ضرب لذلك مثلاً جعله هباء منثوراً ، ضائعاً وإن كثر بوراً ، كأن لم يكن شيئاً مذكوراً ، بقوله سبحانه وتعالى جواباً لهذا السؤال : { مثل ما ينفقون } أي من المال ، وحقر قصدهم بتحقير محطه فقال : { في هذه الحياة الدنيا } أي على وجه القربة أو غيرها ، لكونهم ضيعوا الوجه الذي به يقبل ، وهو الإخلاص . ومثل إنفاقهم له ومثل حرث أصيب بالريح { كمثل ريح فيها صر } أي برد شديد { أصابت حرث قوم } موصوفين بأنهم { ظلموا أنفسهم } أي بالبناء على غير أساس الإيمان { فأهلكته } فمثل ما ينفقون في كونه لم ينفعهم في الدنيا بإنتاج ما أرادوا في الدنيا وضرهم في الدارين ، أما في الدنيا فبضياعه في غير شيء ، وأما في الآخرة فبالمعاقبة عليه لتضييع أساسه وقصدهم الفاسد به ، مثل الزرع الموصوف فإنه لم ينفع أهله الموصوفين ، بل ضرهم في الدنيا بضياعه ، وفي الآخرة بما قصدوا به من المقصود الفاسد ، ومثل إنفاقهم له في كونه ضرهم ولم ينفعهم مثل الريح في كونها ضرت الزرع ولم تنفعه ، فلما كانت الريح الموصوفة أمراً مشاهداً جلياً جعلت في إهلاكها مثلاً لضياع أنفاقهم الذي هو أمر معنوي خفي ، ولما كان الزرع المحترق أمراً محسوساً جعل فيما حصل له بعد التعب من العطب مثالاً لأمر معقول ، وهو أموالهم في كون إنفاقهم إياها لم يثمر لهم شيئاً غير الخسارة والتعب ، فالمثلان ضياع الرزع والإنفاق ، وضياع الزرع أظهر فهو مثل لضياع الإنفاق لأنه أخفى ، وقد بان أن الآية من الاحتباك : حذف أولاً مثل الإنفاق لدلالة الريح عليه ، وثانياً الحرث لدلالة ما ينفق عليه . ولما كان سبحانه وتعالى موصوفاً بأنه الحكم العدل القائم بالقسط وأنه لا ينسى خيراً فعل قال دفعاً لتوهم أن ذلك بخس : { وما ظلمهم } أي الممثل بهم والممثل لهم { الله } الملك الأعظم الغنيّ الغِِنى المطلق لأنه المالك المطلق ، وقد كفروا ، أما الممثل لهم فبكونهم أنفقوا على غير الوجه الذي شرعه ، وأما الممثل بهم فبكونهم لم يحرسوا زرعهم بالطاعات ، وفي الآية دليل على أن أهل الطاعات تحرس ضوائعهم من الآفات وتخرق فيها العادات ، ثم قال : { ولكن } لوما كان الممثل لأجلهم الذين كفروا أعم من أن يموتوا عليه أو يسلموا لم يعبر في الظلم بما تقتضيه الجبلة من فعل الكون وقال : الأساس بكفرهم ، وأن ظلمهم مقصور على أنفسهم ، لا يتعداها إلى غيرها وإن ظهر لإنفاقهم نكاية في عدوهم ، فإن العاقبة لما كانت للمؤمنين كانت نكايتهم كالعدم ، بل هي زيادة في وبالهم ، فهي من ظلمهم لأنفسهم .