Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 118-119)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان الجمال بالمال لا سيما مع الإنفاق من أعظم المرغبات في الموالاة ، وكانت هذه الآية قد صيرت جميلة قبيحاً وبَذوله شحيحاً ؛ قال سبحانه وتعالى - مكرراً التنبيه على مكر ذوي الأموال والجمال الذين يريدون إيقاع الفتنة بينهم من اليهود والمنافقين ليضمحل أمرهم وتزول شوكتهم : { يا أيها الذين آمنوا } أي إيماناً صحيحاً مصدقاً ادعاؤه بالعمل الصالح الذي من أعظمه الحب في الله والبغض في الله { لا تتخذوا بطانة } أي من تباطنونهم بأسراركم وتختصونهم بالمودة والصفاء ومبادلة المال والوفاء { من دونكم } أي ليسوا منكم أيها المؤمنون ، وعبر بذلك إعلاماً بأنهم يهضمون أنفسهم وينزلونها عن علّي درجتها بموادتهم . ثم وصفهم تعليلاً للنهي بقوله : { لا يألونكم خبالاً } أي يقصرون بكم من جهة الفساد ، ثم بين ذلك بقوله على سبيل التعليل أيضاً : { ودّوا ما عنتم } أي تمنوا مشقتكم . ولما كان هذا قد يخفى بيَّنه بقوله معللاً : { قد بدت البغضاء من أفواههم } أي هي بينة في حد ذاتها مع اجتهادهم في إخفائها ، لأن الإنسان إذا امتلأ من شيء غلبه بفيضه ، ولكنكم لحسن ظنكم وصفاء نياتكم لا تتأملونها فتأملوا . ثم أخبر عن علمه سبحانه قطعاً وعلم الفطن من عباده بالقياس ظناً بقوله : { وما تخفي صدورهم أكبر } مما ظهر على سبيل الغلبة . ثم استأنف على طريق الإلهاب والتهييج قوله : { قد بيَّنا } أي بما لنا من العظمة { لكم } أي بهذه الجمل { الآيات } أي الدالات على سعادة الدارين ومعرفة الشقي والسعيد والمخالف والمؤالف . وزادهم إلهاباً بقوله : { إن كنتم } أي جبلة وطبعاً { تعقلون * } ثم استانف الإخبار عن ملخص حالهم معهم فقال منبهاً أو مبدلاً الهاء من همزة الإنكار : { ها أنتم أولاء } أي المؤمنون المسلمون المستسلمون { تحبونهم } أي لاغتراركم بإقرارهم بالإيمان لصفاء بواطنكم { ولا } أي والحال أنهم لا { يحبونكم } لمخالفتهم لكم في الدين ، فإنهم كاذبون في إقرارهم بالإيمان { وتؤمنون } أي أنتم { بالكتاب كله } أي ويكفرون هم به كله ، إما بالقصد الأول وإما بالإيمان بالبعض والكفر بالبعض { وإذا لقوكم قالوا } أي لكم { آمنا } لتغتروا بهم { وإذا خلوا } أي منكم ، وصوّر شدة حنقهم بقوله : { عضّوا عليكم } لما يرون من ائتلافكم وحسن أحوالكم { الأنامل من الغيظ } أي المفرط منكم ، ومن جعل الهاء في { ها أنتم } بدلاً عن همزة الاستفهام فالمراد عنده : أأنتم يا هؤلاء القرباء مني تحبونهم والحال أنهم على ما هم عليه من منابذتكم وأنتم على ما أنتم عليه من الفطنة بصفاء الأفكار وعليّ الآراء بقبولكم الحق كله ، لأن المؤمن كيس فطن ؛ فهو استفهام - وإن كان من وادي التوبيخ - المراد به التنبيه والتهييج المنقل من سافل الدركات إلى عالي الدرجات - والله الموفق . ولما كانوا كأنهم قالوا : فما نفعل ؟ قال مخاطباً للرأس المسموع الأمر المجاب الدعاء : { قل } أي لهم { موتوا بغيظكم } أي ازدراء بهم ودعاء عليهم بدوام الغيظ من القهر وزيادته حتى يميتهم . ولما كانوا يحلفون على نفي هذا ليرضوهم قال تعالى مؤكداً لما أخبر به لئلا يظن أنه أريد به غير الحقيقة : { إن الله } أي الجامع لصفات الكامل { عليم بذات الصدور * } أي فلا تظنوا أنه أراد بعض ما يتجوز بالغيظ عنه .