Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 9-9)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما أقام عليهم الدليل ، أتبعه التهديد والتهويل ، فقال عاطفاً على " أولم يتفكروا " { أولم يسيروا } ولما أحاطت آثار المكذبين بمكة المشرفة شرقاً وغرباً ، وجنوباً وشمالاً ، بديار ثمود وقوم فرعون وعاد وسبأ وقوم ولوط ، عرف وأطلق فقال : { في الأرض } أي سير اعتبار وتأمل وادكار من أي جهة أرادوا ، وفيه إشارة إلى أنهم واقفون عند النظر في ظاهر الملك بأبصارهم ، قاصرون عن الاعتبار في باطن الملكوت بأفكارهم ، وفيه هزٌّ لهم إلى امتطاء هذه الدرجة العلية ، بهذه العبارة الجلية { فينظروا } . ولما كان ما حل بالماضين أمراً عظيماً ، نبه على عظمه بأنه أهل لأن يسأل عنه فقال : { كيف كان } أي كوناً لا قدرة على الانفكاك عنه ، وتذكير العمل يشير إلى عظم الأمر { عاقبة } أي آخر أمر { الذين } ولا كان حال من قرب من زمان الإنسان أوعظ له ، أثبت الجار فقال : { من قبلهم } في إهلاك العاصي وإنجاء الطائع ، ولما كان علم العاقبة مشروطاً بمعرفة البادئة قال مستأنفاً : { كانوا } أي كوناً هو في غاية المكنة . ولما كان السياق للظهور والغلبة التي إنما مدارها على الشدة المقتضية للثبات ، لا الكثرة العارية عنها ، أعرض عنها وقال مسقطاً ضمير الفصل لأن هذا السياق لا يظهر فيه ادعاء العرب لعلوهم على فارس ولا الروم : { أشدَّ منهم } أي من العرب { قوة } أي في أبدانهم وعقولهم ، ولما كان التقدير : فنقبوا الجبال ، وعلوا من متقن الصنائع التي ترونها من الأعمال ما لم يدانيه أحد من الأجيال ، عطف عليه قوله : { وأثاروا } بالحرث وغيره { الأرض } فأخرجوا ما فيها من المنافع من المياه والمعادن والزروع وغير ذلك من المعادن { وعمروها } أي أولئك السالفون { أكثر مما عمروها } أي هؤلاء الذين أرسلت إليهم ، بل ليس لهم من إثارة الأرض وعمارتها كبير أمر ، فإن بلاد العرب إنما هي جبال سود وفيافي غبر ، فما هو إلا تهكم بهم ، وبيان لضعف حالهم في دنياهم التي لا فخر لهم بغيرها . ولما كانوا قد وقفوا مثل هؤلاء مع السبب الأدنى ، ولم يرتقوا بعقولهم إلى المطلوب الأعلى ، أخبر أنه أرسل إليهم الدعاة ينبهونهم من رقدتهم ، وينقذونهم من غفلتهم ، فكان التقدير : فضلوا عن المنهج الواضح ، وعموا عن السبيل الرحب ، وزاغوا عن طريق الرب ، فأرسلنا إليهم الرسل ، فعطف عليه قوله مشيراً بتأنيث الفعل إلى ضعف عقولهم بتكذيبهم الرسل كما تقدم إيضاحه عند { تلك الرسل } [ البقرة : 253 ] : { وجاءتهم رسلهم } أي عنا { بالبينات } من المعجزات مثل ما أتاكم به رسولنا من وعودنا السابقة ، وأمورنا الخارقة ، كأمر الإسراء وما أظهر فيه من الغرائب كالإخبار بأن العير تقدم في يوم كذا يقدمها جمل صفته كذا وغرائره كذا ، فظهر كذلك ، وما آمنتم كما لم يؤمن من كان أشد منكم قوة { فما } أي بسبب أنه ما { كان الله } على ما له من أوصاف الكمال مريداً { ليظلمهم } بأن يفعل معهم فعل من تعدونه أنتم ظالماً بأن يهلكهم في الدنيا ثم يقتص منهم في القيامة قبل إقامة الحجة عليهم بإرسال الرسل بالبينات { ولكن كانوا } بغاية جهدهم { أنفسهم } أي خاصة { يظلمون } أي يجددون الظلم لها بإيقاع الضر موقع جلب النفع ، لأنهم لا يعتبرون بعقولهم التي ركبناها فيهم ليستضيؤا بها فيعلموا الحق من الباطل ، ولا يقبلون من الهداة إذا كشفوا لهم ما عليها من الغطاء ، ولا يرجعون عن الغي إذا اضطروهم بالآيات الباهرات ، بل ينتقلون من الغفلة إلى العناد .