Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 21-23)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان المجادل بغير واحد من هذه الثلاثة تابعاً هواه مقلداً مثله قطعاً ، وكان حال المجادلين هذا لظهور أدلة الوحدانية عجباً ، عجب منهم تعجيباً آخر بإقامتهم على الضلال مع إيضاح الادلة فقال : { وإذا قيل } أي من أيّ قائل كان . ولما كان ضلال الجمع أعجب من ضلال الواحد ، وكان التعجيب من جدال الواحد تعجيباً من جدال الاثنين فأكثر من باب الأولى ، أفرد أولاً وجمع هنا فقال : { لهم } أي للمجادلين هذا الجدال : { اتبعوا ما } أي ابذلوا جهدكم في تبع الذي ، وأظهر لزيادة التشنيع أيضاً فقال : { أنزل الله } الذي خلقكم وخلق آباءكم الأولين ، وهو الذي لا عظيم إلا هو { قالوا } جموداً : لا نفعل { بل نتبع } وإن جاهدنا بالأنفس والأموال { ما وجدنا عليه آباءنا } لأنهم أثبت منا عقولاً ، وأقوم قيلاً ، وأهدى سبيلاً . ولما كانوا لا يسلكون طريقاً حسياً بغير دليل ، كان التقدير : أتتبعونهم لو كان الهوى يدعوهم فيما وجدتموهم عليه إلى ما يظن فيه الهلاك ، لكونه بغير دليل ، فعطف عليه قوله : { أو لو كان الشيطان } أي البعيد من الرحمة المحترق باللعنة ، وهو أعدى اعدائهم ، دليللهم فهو { يدعوهم } إلى الضلال فيوقعهم فيما يسخط الرحمن فيؤديهم ذلك { إلى عذاب السعير * } وعبر بالمضارع تصويراً لحالهم في ضلالهم وأنه مستمر ، وأطلق العذاب على سببه . ولما كان التقدير : فمن جادل في الله فلا متمسك له ، عطف عليه قوله في شرح حال أضدادهم : { ومن يسلم } أي في الحال أو الاستقبال { وجهه } أي قصده وتوجهه وذاته كلها . ولما كان مقصود السورة إثبات الحكمة ، عدى الفعل بـ " إلى " تنبيهاً على إتقان الطريق بالوسائط من النبي أو الشيخ وحسن الاسترشاد في ذلك ، فقال معلقاً بما تقديره : ساتراً وواصلاً { إلى الله } الذي له صفات الكمال ، فلم يبق لنفسه أمر أصلاً ، فهو لا يتحرك إلا بأمر من أوامره سبحانه { وهو } أي والحال أنه { محسن } أي مخلص بباطنه كما أخلص بظاهره , فهو دائماً في حال الشهود { فقد استمسك } أي أوجد الإمساك بغاية ما يقدر عليه من القوة في بادئه الأمور لترقية نفسه من حضيضها إلى أوج الروح على أيدي المسلكين الذين اختارهم لدينه ، العارفين بأخطار السير وعوائق الطريق { بالعروة الوثقى } التي هي أوثق ما يتمسك به فلا سقوط له أصلاً ، فليسررك شكره فإن ربه يعليه إلى كل مراد ما دام متمسكاً بها تمثيلاً لحال هذا السائر بحال من سقط في بئر ، أو أراد أن يرقى جبلاً ، فادعى له صاحبه حبلاً ذا عرى فأخذ بأوثقها ، فهو يعلو به إذا جره صديقه . وهو قادر على جره لا محالة من غير انفصام ، لأن متمسكه في غاية الإحكام . ولما كان الكل صائرين إليه ، رافدين عليه : من استمسك بالأوثق ، ومن استمسك بالأوهى ، ومن لم يتمسك بشيء ، إلا أن الأول صائر مع السلامة ، وغيره مع العطب ، قال مظهراً تعظيماً للأمر ولئلا يقيد بحيثية عاطفاً على ما تقديره : فيصير إلى الله سالماً ، فإلى الله عاقبته لا محال : { وإلى الله } أي الملك الأعظم وحده تصير { عاقبة الأمور * } أي كما أنه كانت منه بادئتها ، وإنما خص العاقبة لأنهم مقرون بالبادئة . ولا ذكر المسلم ذكر الكافر فقال : { ومن كفر } أي ستر ما أداه إليه عقله من أن الله لا شريك له ، وأنه لا قدرة لأحد سواه ، ولم يسلم وجهه إليه ، فتكبر على الدعاة وأبى أن ينقاد لهم ، اتباعاً لما قاده إليه الهوى . بأن جعل لنفسه اختياراً وعملاً فعل القوي القادر ، فقد ألقى نفسه في كل هلكة لكونه لم يتمسك شيء { فلا يحزنك } أي يهمك ويوجعك ، وأفرد الضمير باعتبار لفظ من لإرادة التنصيص على كل فرد فقال : { كفره } كائناً من كان فإنه لم يَفُتك شيء فيه خير ولا معجز لنا ليحزنك ، ولا تبعة عليك بسببه ، وفي التعبير هنا بالماضي وفي الأول بالمضارع بشارة بدخول كثير في هذا الدين ، وأنهم لا يرتدون بعد إسلامهم ، وترغيب في الإسلام لكل من كان خارجاً عنه ، فالآية من الاحتباك : ذكر الحزن ثانياً دليلاً على حذف ضده أولاً ، وذكر الاستسماك أولاً دليلاً على حذف ضده ثانياً . ولما كان الحزن بمعنى الهم ، حسن التعليل بقوله التفاتاً إلى مظهر العظمة التي هذا من أخفى مواضعها ، وجمع لأن الإحاطة بالجمع أدل على العظمة : { إلينا } أي خاصة بما لنا من العظمة التي لا تثبت لها الجبال { مرجعهم } أي رجوعهم وزمانه ومكانه أي معنى في الدنيا وحساً يوم الحساب ، لا إلى غيرنا ، ولما بين أنهم في قبضته ، وأنه لا بد من بعثهم ، بين أن السبب في ذلك حسابهم لتظهر الحكمة فقال : { فننبئهم } بسبب إحاطتنا بأمرهم وعقب رجوعهم { بما عملوا } أي ونجازيهم عليه إن أردنا . ولما كان معنى التضعيف : نفعل معهم فعل منقب عن الأمور مفتش على جليها وخفيها ، جليلها ودقيقها ، فلا نذر شيئاً منها ، علله بقوله معبراً بالاسم الأعظم المفهم للعظمة وغيرها من صفات الكمال التي من أعظمها العلم ، لفتاً للكلام عن العظمة التي لا تدل على غيرها إلا باللزوم ، مؤكداً لإنكارهم شمول علمه { إن الله عليم } أي محيط العلم بما له من الإحاطة بأوصاف الكمال { بذات الصدور * } أي بالأعمال التي هي صاحبتها ، ومضمرة ومودعة فيها ، فناشئة عنها ومن قبل أن تبرز إلى الوجود ، فكيف بذلك بعد عملها .