Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 32, Ayat: 25-27)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما أفهم قوله " منهم " أنه كان منهم من يضل عن أمر الله ويصد عنه ، جاء قوله تسلية للمؤمنين وتوعداً للكافرين ، استئنافاً مؤكداً تنبيهاً لمن يظن أنه لا بعث ، ولفت القول إلى صفة الإحسان إشارة إلى ما يظهر من شرفه صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم من المقام المحمود وغيره : { إن ربك } أي المحسن إليك بإرسالك ليعظم ثوابك ويعلي ما بك { هو } أي وحده { يفصل بينهم } أي من الهادين والمضلين والضالين { يوم القيامة } بالقضاء الحق ، فيعلى أمر المظلوم ويردي كيد الظالم { فيما كانوا } جبلة ، طبعاً { فيه } أي خاصة { يختلفون * } أي يجددون الاختلاف فيه على سبيل الاستمرار حسب ما طبعوا عيله ، لا يخفى عليه شيء منه ، وأما غير ما اختلفوا فيه فالحكم فيه لهم أو عليهم لا بينهم ، وما اختلفوا فيه لا على وجه القصد فيقع في محل العفو . ولما كان قد تقدم عن الكفار في هذه السورة قولان : أحدهما في التكذيب بالقرآن ، والثاني في إنكار البعث ، ودل سبحانه على فسادهما إلى أن ختم بذكر الآيات والبعث والفصل بين المحق والمبطل ، أتبعه استفهامين إنكاريين منشورين على القولين وختمت آية كل منهما بآخر ، فتصير الاستفهامات أربعة ، وفي مدخول الأول الفصل بين الفريقين في الدنيا ، فقال مهدداً : { أو لم } أي أيقولون عناداً لرسولنا : أفتراه ولم { يهد } أي يبين - كما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما { لهم كم أهلكنا } أي كثرة من أهلكناه . ولما كان قرب شيء في الزمان أو المكان أدل ، بين قربهم بإدخال الجار فقال : { من قبلهم } أي لأجل معاندة الرسل { من القرون } الماضين من المعرضين عن الآيات ، ونجينا من آمن بها ، وربما كان قرب المكان منزلاً قرب الزمان لكثرة التذكير بالآثار ، والتردد خلال الديار . ولما كان انهماكهم في الدنيا الزائلة قد شغلهم عن التفكر فيما ينفعهم عن المواعظ بالأفعال والأقوال ، أشار إلى ذلك بتصوير اطلاعهم على ما لهم من الأحوال ، بقوله : { يمشون } أي أنهم ليسوا بأهل للتفكر إلا حال المشي { في مساكنهم } لشدة ارتباطهم مع المحسوسات ، وذلك كمساكن عاد وثمود وقوم لوط ونحوهم . ولما كان في هذا أتم عبرة وأعظم عظة ، قال منبهاً عليه مؤكداً تنبيهاً على أن من لم يعتبر منكر لما فيه من العبر : { إن في ذلك } أي الأمر العظيم { لآيات } أي دلالات ظاهرات جداً ، مرئيات في الديار وغيرها من الآثار ، ومسموعات في الأخبار . ولما كان السماع هو الركن الأعظم ، وكان إهلاك القرون إنما وصل إليهم بالسماع ، قال منكراً : { أفلا يسمعون * } أي إن أحوالهم لا يحتاج من ذكرت له في الرجوع عن الغيّ إلى غير سماعها ، فإن لم يرجع فهو ممن لا سمع له { أو لم } أي أيقولون في إنكار البعث : إذا ضللنا في الأرض ، ولم { يروا أنا } بما لنا من العظمة { نسوق الماء } من السماء أو الأرض { إلى الأرض الجرز } أي التي جرز نباتها أي قطع باليبس والتهشم ، أي بأيدي الناس فصارت ملساء لا نبت فيها ، وفي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما : إنها التي لا تمطر إلا مطراً لا يغني عنها شيئاً ، قالوا : ولا يقال للتي لا تنبت كالسباخ : جزر ، ويدل عليه قوله : { فنخرج به } من أعماق الأرض { زرعاً } أي نبتاً لا ساق له باختلاط الماء بالتراب الذي كان زرعاً قبل هذا ، وأشار إلى أنه حقيقة ، لا مرية فيه ، وليس هو بتخييل كما تفعل السحرة ، بقوله مذكراً بنعمة الإبقاء بعد الإيجاد : { تأكل منه } أي من حبه وورقه وتبنه وحشيشه { أنعامهم } وقدمها لموقع الامتنان بها لأن بها قوامهم في معايشهم وأبدانهم ، ولأن السياق لمطلق إخراج الرزع ، وأول صلاحه إنما هو لأكل الأنعام بخلاف ما في سورة عبس ، فإن السياق لطعام الإنسان الذي هو نهاية الزرع حيث قال : { فلينظر الإنسان إلى طعامه } [ عبس : 24 ] ثم قال { فأنبتنا فيها حباً } [ عبس : 27 ] وذكر من طعامه من العنب وغيره ما لا يصلح للأنعام { وأنفسهم } أي من حبه ، وأصله إذا كان بقلاً . ولما كانت هذه الآية مبصرة ، وكانت في وضوحها في الدلالة على البعث لا يحتاج الجاهل به في الإقرار سوى رؤيتها قل : { أفلا يبصرون } إشارة إلى أن من رآها وتبه على ما فيها من الدلالة وأصر على الإنكار لا بصر له ولا بصيرة .