Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 124-125)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما أبدى جزاء المسيء تحذيراً ، أولاه أجر المحسن تبشيراً فقال : { ومن يعمل } وخفف تعالى عن عباده بقوله : { من الصالحات } ولما عمم بذكر ( من ) صرح بما اقتضته في قوله : { من ذكر وأنثى } وقيد ذلك بقوله : { وهو } أي والحال أنه { مؤمن } ليكون بناؤه الأعمال على أساس الإيمان { فأولئك } أي العالو الرتبة ، وبنى فعل الدخول للمفعول في قراءة ابن كثير وأبي عمروا وأبي جعفر وأبي بكر عن عاصم وروح عن يعقوب ، وللفاعل في قراءة غيرهم ، لأن المقصود نفس الفعل ، لا كونه من فاعل معين ؛ وإن كانت قراءة الأولين أكثر فائدة { يدخلون } أي يدخلهم الله { الجنة } أي الموصوفة { ولا يظلمون } وبنى الفعل للمجهول ، لأن المقصود الخلاص منه لا بقيد فاعل معين { نقيراً * } أي لا يظلم الله المطيع منهم بنقص شيء ما ، ولا العاصي بزيادة شيء ما ، والنقير : ما في ظهر النواة من تلك الوقبة الصغيرة جداً ، كني بها عن العدم ، وهذا على ما يتعارفه الناس وإلا فالله تعالى له أن يفعل ما يشاء ، فإن مِلكه ومُلكه عام ، لا يتصور منه ظلم كيف ما فعل . ولما كشف سبحانه زورهم وبيَّن فجورهم ، أنكر أن يكون أحد أحسن ديناً ممن اتبع ملة إبراهيم الذي يزعمون أنه كان على دينهم زعماًَ تقدم كشف عواره وهتك أستاره في آل عمران ، فقال عاطفاً على ما تقديره : فمن أحسن دائناً ومجازياً وحاكماً منه سبحانه وتعالى : { ومن أحسن ديناً } أو يكون التقدير : لأنهم أحسنوا في دينهم ومن أحسن ديناً منهم ! لكنه أظهر الوصف تعميماً وتعليقاً للحكم به وتعليماً لما يفعل يفعل المؤمن وحثاً عليه فقال : { ممن أسلم } أي أعطى . ولما كان المراد الإخلاص الذي هو أشرف الأشياء ، عبر عنه بالوجه الذي هو أشرف الأعضاء فقال : { وجهه } أي قياده ، أي الجهة التي يتوجه إليها بوجهه , أي قصده كله الملازم للإسلام نفسه كلها { لله } فلا حركة له سكنة إلا فيما يرضاه ، لكونه الواحد الذي لا مثل له ، فهو حصر بغير صيغة الحصر ، فأفاد فساد طريق من لفت وجهه نحو سواه باستعانة أو غيرها ولا سيما المعتزلة الذين يرون الطاعة من أنفسهم ، ويرون أنها موجبة لثوابهم ، والمعصية كذلك وأنها موجبة لعقابهم ، في الحقيقة لا يرجون إلا أنفسهم ، ولا يخافون غيرها ؛ وأهل السنة فوّضوا التدبير والتكوين والخلق إلى الحق ، فهم المسلمون . ولما عبر تعالى عن كمال الاعتقاد بالماضي ، شرط فيه الدوام والأعمال الظاهرة بقوله : { وهو } أي والحال أنه { محسن } أي مؤمن مراقب ، لا غفلة عنده أصلاً ، بل الإحسان صفة له راسخة ، لأنه يعبد الله كأنه يراه ، فقد اشتملت هذه الكلمات العشر على الدين كله أصلاً وفرعاً مع الترغيب بالمدح الكامل لمتبعه وإفهام الذم الكامل لغيره . ولما كان هذا ينتظم مَنَ كان على دين أي نبي كان قبل نسخه ، قيده بقوله : { واتبع } أي بجهد منه { ملة إبراهيم } الذي اشتهر عند جميع الطوائف أنه ما دعا إلا إلى الله سبحانه وتعالى وحده ، وتبرأ مما سواه من فلك وكوكب وصنم وطبيعة وغيرها حال كون ذلك المتبع { حنيفاً } أي ليناً سهلاً ميّالاً مع الدليل ، والملة : ما دعت إليه الفطرة الأولى بمساعدة العقل السليم من كمال الإسلام بالتوحيد . ولما كان التقدير ترغيباً في هذا الاتباع : فقد جعل الله سبحانه وتعالى ملة إبراهيم أحسن الملل ، وخلقه يوم خلقه حنيفاً ، عطف عليه قوله : { واتخذ الله } أي الملك الأعظم أخذ من معين بذلك مجتهد فيه { إبراهيم خليلاً * } لكونه كان حنيفاً ، وذلك عبارة عن اختصاصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله من ترديد الرسل بالوحي بينه وبينه ، وإجابة الدعوة ، وإظهار الخوارق عليه وعلى آله ، والنصرة على الأعداء وغير ذلك من الألطاف ، وأظهر اسمه في موضع الإضمار تصريحاً بالمقصود احتراساً من الإبهام وإعلاءً لقدره تنويهاً بذكره .