Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 121-123)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما أثبت لهم ذلك أنتج بلا شك قوله : { أولئك } أي البعداء من كل خير { مأواهم جهنم } أي تتجهمهم وتتقد عليهم بما اتخذوا من خلق منها ولياً { ولا يجدون عنها محيصاً * } أي موضعاً ما يميلون إليه شيئاً من الميل . ولما ذكر ما للكافرين ترهيباً أتبعه ما لغيرهم ترغيباً فقال : { والذين آمنوا } أي بوعد لا خلف فيه { جنات تجري } وقرب وبعض بقوله : { من تحتها الأنهار } أي لرّي أرضها ، فحيث ما أجرى منها نهر جرى . ولما كان الانزعاج عن مطلق الوطن - ولو لحاجة تعرض - شديداً ، فكيف بهذا ! قال : { خالدين فيها } ولما كان الخلود يطلق على مجرد المكث الطويل ، دل على أنه لا بإلى آخر بقوله : { أبداً } ثم أكد ذلك بأن الواقع يطابقه ، وهويطابق الواقع فقال : { وعد الله حقاً } أي يطابقه الواقع ، لأنه الملك الأعظم وقد برز وعده بذلك ، ومن أحق من الله وعداً ، وأخبر به خبراً صاداقً يطابق الواقع { ومن أصدق من الله } أي المختص بصفات الكمال { قيلاً * } وأكثر من التأكيد هنا لأنه في مقابلة وعد الشيطان ، ووعد الشيطان موافق للهوى الذي طبعت عليه النفوس فلا تنصرف عنه إلا بعسر شديد . ولما أخبر تعالى عما أعد لهم ولمن أضلهم من العقاب وعما أعد للمؤمنين من الثواب ، وكانوا يمنون أنفسهم الأماني الفارغة من أنه لا تبعة عليهم في التلاعب بالدين ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، ويشجعهم على ذلك أهل الكتاب ويدعون أنهم أبناء الله وأحباؤه ، لا يؤاخذهم بشيء ، ولا يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى أو من شفعوا فيه ، ونحو هذه التكاذيب مما يطمعون به من والاهم بأنهم ينجونه ، وكان المشركون يقولون : { نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين } [ سبأ : 35 ] ، ونحو ذلك - كنا قال العاصي بن وائل لخباب بن الأرت وقد تقاضاه ديناً كان له عليه : دعني إلى تلك الدار فأقضيك مما لي فيها ، فوالله لا تكون أنت وصاحبك فيها آثر عند الله مني ولا أعظم حظاً ، فأنزل الله في ذلك : { أفرأيت الذي كفر بآياتنا } [ مريم : 77 ] الآيات من آخر مريم ، ويقول لهم أهل الكتاب : أنتم أهدى سبيلاً ، لما كان ذلك قال تعالى راداً على الفريقين : { ليس } أي ما وعده الله وأوعده { بأمانيكم } أي أيها العرب { ولا أماني أهل الكتاب } أي التي يمنيكم جميعاً بها الشيطان . ولما اكنت أمانيهم أنهم لا يجازون بأعمالهم الخبيثة ، أنتج ذلك لا محالة قوله : { ومن يعمل سوءاً يجز به } أي بالمصائب من الأمراض وغيرها ، عاجلاً إن أريد به الخير ، وآجلاًَ إن أريد به الشر ، وما أحسن إيلاؤها لتمنيه الشيطان المذكورة في قوله { يعدهم ويمنيهم } [ النساء : 120 ] فيكون الكلام وافياً بكشف عوار شياطين الجن ثم الإنس في غرورهم لمن خف معهم مؤيساً لمن قبل منهم ، وما أبدع ختامها بقوله : { ولا يجد له } ولما كان كل أحد قاصراً عن مولاه ، عبر بقوله : { من دون الله } أي الذي حاز جميع العظمة { ولياً } أي قريباً يفعل معه ما يفعل القريب { ولا نصيراً * } أي ينصره في وقت ما ! وما أشد التئامها بختام أول الآيات المحذرة منهم { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يشترون الضلالة } [ النساء : 44 ] إلى قوله { وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً } [ النساء : 45 ] إشارة إلى أن مقصود المنافقين من مشايعة أهل الكتاب ومتابعتهم إنما هو الولاية والنصرة ، وأنهم قد ضيعوا منيتهم فاستنصروا بمن لا نصرة له ، وتركوا من ليست النصرة إلا له .