Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 137-141)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان المتمادي بعد نزول هذا الهدي موجداً للكفر مجدداً له ، نبه على إغراقه في البعد بغضبه سبحانه وتعالى لتماديه معلماً أن الثبات على الكفر عظيم جداً ، وصوّره بأقبح صورة ، وفي ذلك ألطف استعطاف إلى النزوع عن الخلاف فقال : { إن الذين ءامنوا } أي بما كانوا مهيئين له من الإيمان بالفطرة الأولى { ثم كفروا } أي أوقعوا الكفر فعوَّجوا ما أقامه الله من فطرهم { ثم ءامنوا } أي حقيقة أو بالقوة بعد مجيء الرسول بما هيأهم له بإظهار الأدلة وإقامة الحجج { ثم كفروا } أي بذلك الرسول أو برسول آخر بتجديد الكفر أو التمادي فيه { ثم ازدادوا } أي بإصرارهم على الكفر إلى الموت { كفراً لم يكن الله } أي الذي له صفات الكمال { ليغفر لهم } أي ما داموا على هذا الحال لأنه لا يغفر أن يشرك به { ولا ليهديهم سبيلاً * } أي من السبل الموصلة إلى المقصود . ولما كانت جميع صور الآية منطبقة على النفاق ، بعضها حقيقة وبعضها مجازاً ، قال جواباً لمن كأنه سأل عن جزائهم متهكماً بهم : { بشر المنافقين } فأظهر موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف { بأن لهم عذاباً أليماً * } ثم وصفهم بما يدل على أنهم المساترون بالكفر بقوله تعالى : { الذين يتخذون الكافرين } أي المجاهرين بالكفر { أولياء } أي يتعززون بهم تنفيراً من مقاربة صفتهم ليتميز المخلص من المنافق ، وبياناً لأن مرادهم بولايتهم إنما هو التعزز بهم فإن محط أمرهم على العرض الدنيوي ، ونبه على دناءة أمرهم على أن الغريق في الإيمان أعلى الناس بقوله : { من دون المؤمنين } أي الغريقين في الإيمان ، ثم أنكر عليهم هذا المراد بقوله : { أيبتغون } أي المنافقون يتطلبون ، تطلباً عظيماً { عندهم } أي الكافرين { العزة } فكأنه قال : طلبهم العزة بهم سفه من الرأي وبُعد من الصواب ، لأنه لا شيء من العزة عندهم . ولما أنكر عليهم هذا الابتغاء علله بقوله : { فإن العزة لله } أي الذي لا كفوء له { جميعاً * } أي وهم أعداء الله فإنما يترقب لهم ضرب الذلة والمسكنة ، وما أحسن التفات هذه الآية إلى أول الآيات المحذرة من أهل الكتاب { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب } [ النساء : 44 ] المختتمة بقوله : { وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً } [ النساء : 45 ] { وقد } أي يتخذونهم والحال أنه قد { نزل عليكم } أي أيتها الأمة ، الصادقين منكم والمنافقين { في الكتاب } أي في سورة الأنعام النازلة بمكة المشرفة النهي عن مجالستهم فضلاً عن ولايتهم ، أفلا تخافون عزة من نهاكم عن ذلك أن يضربكم بذل لا تخلصون منه أبداً ، لأنهم لا ينفكون عن الكفر بآيات الله فإنه لا تباح ولايتهم في حال من الأحوال إلا عند الإعراض عن الكفر ، وذلك هو المراد من قوله : { أنْ } أي إنه { إذا سمعتم آيات الله } أي ذي الجلال والإكرام . ولما كان السماع مجملاً بين المراد بقول : { يكفر بها } أي يستر ما أظهرت من الأدلة من أي كافر كان من اليهود وغيرهم { ويستهزأ بها } أي يطلب طلباً شديداً أن تكون مما يهزأ به { فلا تقعدوا معهم } أي الذين يفعلون ذلك بها { حتى يخوضوا } وعبر عن الشروع بالخوض إيماء إلى أن كلامهم لا يخلو عن شيء في غير موضعه ، رمزاً إلى عدم مجالستهم على كل حال { في حديث غيره } فهذا نهي من مجرد مجالستهم فكيف بولايتهم . ولما كانت آية الأنعام مكية اقتصر فيها على مجرد الإعراض وقطع المجالسة لعدم التمكن من الإنكار بغير القلب ، وأما هذه الآية فمدنية فالتغيير عند إنزالها باللسان واليد ممكن لكل مسلم ، فالمجالس من غير نكير راض ، فلهذا علل بقوله : { إنكم إذاً } أي إذا قعدتم معهم وهم يفعلون ذلك { مثلهم } أي في الكفر لأن مجالسة المظهر للإيماء المصرح بالكفران دالة على أن إظهاره لما أظهر نفاق ، وأنه راض بما يصرح به هذا الكافر والرضى بالكفر كفر ، فاشتد حسن ختم الآية بجمع الفريقين في جهنم بقوله مستأنفاً لجواب السؤال عما تكون به المماثلة : { إن الله } أي الذي أحاط علمه فتمت قدرته { جامع } . ولما كان حال الأخفى أهم قدم قوله : { المنافقين } أي الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر فيقعدون مع من يسمعونه بكفر { والكافرين } أي الذين يجاهرون بكفرهم لرسوخهم فيه { في جهنم } التي هي سجن الملك { جميعاً } كما جمعهم معهم مجلس الكفر الذي هو طعن في ملك الملك ، والتسوية بينهم في الكفر بالقعود معهم دالة على التسوية بين العاصي ومجالسه بالخلطة من غير إنكار ؛ ثم وصفهم سبحانه وتعالى بما يعرف بهم فقال : { الذين يتربصون بكم } أي يثبتون على حالهم انتظاراً لوقوع ما يغيظكم { فإن كان لكم فتح } أي ظهور وعز وظفر ، وقال : { من الله } أي الذي له العظمة كلها - تذكيراً للمؤمنين بما يديم اعتمادهم عليه وافتقارهم إليه { قالوا } أي الذين آمنوا نفاقاً لكم أيها المؤمنون { ألم نكن معكم } أي ظاهراً بأبداننا بما تسمعون من أقوالنا فأشركونا في فتحكم { وإن كان للكافرين } أي المجاهرين ، وقال : { نصيب } تحقيراً لظفرهم وأنه لا يضر بما حصل للمؤمنين من الفتح { قالوا } للكافرين ليشركوهم في نصيبهم { ألم نستحوذ عليكم } أي نطلب حياطتكم والمحافظة على مودتكم حتى غلبنا على جميع أسراركم واستولينا عليها ، وخالطناكم مخالطة الدم للبدن ، من قولهم : حاذه ، أي حاطه وحافظ عليه { ونمنعكم من المؤمنين } أي من تسلطهم عليكم بما كنا نخادعهم به ، ونشيع فيهم من الإرجافات والأمور المرغبات الصارفة لهم عن كثير من المقاصد ، لتصديقهم لنا لأظهارنا الإيمان ، ورضانا من مداهنة من نكره بما لا يرضاه إنسان . ولما كان هذا لأهل الله سبحانه وتعالى أمراً غائظاً مقلقاً موجعاً ؛ سبب عنه قوله : { فالله } أي بما له من جميع صفات العظمة { يحكم بينكم } أي أيها المؤمنون والكافرون المساترون والمجاهرون . ولما كان الحكم في الدارين بين أنه في الدار التي لا يظهر فيها لأحد غيره أمر ظاهراً ولا باطناً ، وتظهر فيها جميع المخبئات فقال : { يوم القيامة } ولما كان هذا ربما أيأسهم من الدنيا قال : { ولن يجعل الله } عبر بأداة التأكيد وبالاسم الأعظم لاستبعاد الغلبة على الكفرة لما لهم في ذلك الزمان من القوة والكثرة { للكافرين } أي سواء كانوا مساترين أو مجاهرين { على المؤمنين } أي كلهم { سبيلاً * } أي بوجه في دنيا ولا آخرة ، وهذا تسفيه لآرائهم واستخفاف بعقولهم فكأنه يقول : يا أيها المتربصون بأحباب الله الدوائر ، المتمنون لأعدائه النصر - وقد قامت الأدلة على أن العزة جميعاً لله - ! ما أضلكم في ظنكم أنه يخذل أولياءه ! وما أغلظ أكبادكم ! ويدخل في عمومها أنه لا يقتل مسلم بذمي ، ولا يملك كافر مال مسلم قهراً ؛ ثم بين أن صورتهم في ضربهم الشقة بالوجهين صورة المخادع ، وما أضلهم حيث خادعوا من لا يجوز عليه الخداع لعلمه بالخافيا ، فقال معاللاً لمنعهم السبيل .