Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 145-147)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما نهاهم عن فعل المنافقين استأنف بيان جزائهم عنده فقال : { إن المنافقين في الدرك } أي البطن والمنزل { الأسفل من النار } لأن ذلك أخفى ما في النار وأستره وأدناه وأوضعه كما أن كفرهم أخفى الكفر وأدناه ، وهو أيضاً أخبث طبقات النار كما أن كفرهم أخبث أنواع الكفر ، وفيه أن من السلطان وضع فاعل ذلك في دار المنافقين لفعله مثل فعلهم ، ومن تشبه بقوم فهو منهم ، وسميت طبقات النار أدراكاً لأناه متداركة متتابعة إلى أسفل كما أن الدرج متراقية إلى فوق . ولما أخبر أنهم من هذا المحل الضنك ، أخبر بدوامه لهم على وجه مؤلم جداً فقال : { ولن تجد } أي أبداً { لهم نصيراً * } وأشار بالنهي عن موالاتهم وعدم نصرهم إلى ختام أول الآيات المحذرة من الكافرين { وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً } [ النساء : 45 ] . ولما كان فيما تقدم أن الغفران للكافر - أعم من أن يكون منافقاً أولاً - متعذر ، وأتبعه ما لاءمه إلى أن ختم بما دل على أن النفاق أغلظ أنواع الكفر استثنى منه دلالة على أن غيره من الكفرة في هذا الاستثناء أولى ، تنبيهاً على أن ذلك النفي المبالغ فيه إنما هو لمن مات على ذلك ، ولكنه سيق على ذلك الوجه تهويلاً لما ذكره في حيزه وتنفيراً منه فقال تعالى : { إلا الذين تابوا } أي رجعوا عما كانوا عليه من النفاق بالندم والإقلاع { وأصلحوا } أي أعمالهم الظاهرة من الصلاة التي كانوا يراؤون فيها وغيرها بالإقلاع عن النفاق { واعتصموا بالله } أي اجتهدوا في أن تكون عصمتهم - أي ارتباطهم - بالملك الأعظم في عدم العود إلى ما كانوا عليه . ولما كان الإقلاع عن النفاق الذي من أنواعه الرياء - أصلاً ورأساً في غاية العسر قال حثاً على مجاهدة النفس فيه : { وأخلصوا دينهم } أي كله { لله } أي الذي له الكمال كله ، فلم يريدوا بشيء من عبادتهم غير وجهه لا رياء ولا غيره { فأولئك } أي العالو الرتبة { مع المؤمنين } أي الذي صار الإيمان لهم وصفاً راسخاً في الجنة ، وإن عذبوا على معاصيهم ففي الطبقة العليا من النار { وسوف يؤت الله } أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً { المؤمنين } أي بوعد لا خلف فيه وإن أصابهم قبل ذلك ما أصابهم وإن طال عذابهم ، تهذيباً لهم من المعاصي بما أشار إليه لفظ " سوف " { أجراً عظيماً * } أي بالخلود في الجنة التي لا ينقضي نعيمها ، ولا يتكدر يوماً نزيلها ، فيشاركهم من كان معهم ، لأنهم القوم لا يشقى بهم جليسهم . ولما كان معنى الاستثناء أنه لا يعذبهم ، وأنهم يجدون الشفيع بإذنه ؛ قال مؤكداً لذلك على وجه الاستنتاج منكراً على من ظن أنه لا يقبلهم بعد الإغراق في المهالك : { ما يفعل الله } أي وهو المتصف بصفات الكمال التي منها الغنى المطلق { بعذابكم } أي أيها الناس ، فإنه لا يجلب له نفعاً ولا يدفع عنه ضراً . ولما كان الخطاب مع الذين آمنوا قال : { إن شكرتم } أي نعمه التي من أعظمها إنزال الكتاب الهادي إلى الرشاد ، المنقذ من كل ضلال ، المبين لجميع ما يحتاج إليه العباد ، فأداكم التفكر في حالها إلى معرفة مسديها ، فأذعنتم له وهرعتم إلى طاعته بالإخلاص في عبادته وأبعدتم عن معصيته . ولما كان الشكر هو الحامل على الإيمان قدمه عليه ، ولما كان لا يقبل إلا به قال : { وآمنتم } أي به إيماناً خالصاً موافقاً فيه القلب ما أظهره اللسان ؛ ولما كان معنى الإنكار أنه لا يعذبكم ، بل يشكر ذلك قال عاطفاً عليه : { وكان الله } أي ذو الجلال والإكرام أزلاً وأبداً { شاكراً } لمن شكره بإثابته على طاعته فوق ما يستحقه { عليماً * } بمن عمل له شيئاً وإن دق ، لا يجوز عليه سهو ولا غلط ولا اشتباه .